أعطيت إشارة انطلاقة الحملة الانتخابية لتشريعيات 10 ماي القادم أمس عبر كل ولايات الوطن وفي الدوائر الانتخابية بالخارج، معلنة بداية سباق محتدم يخوضه 44 حزبا سياسيا ومئات القوائم الحرة التي ستجتهد جميعها في إقناع الناخبين واستقطاب أصواتهم خلال رحلة الأسابيع الثلاثة من عمر هذه الحملة، والتي يرتقب أن يشتد التنافس فيها مع مرور الأيام، بعكس ما ميز اليوم الأول الذي عرف بداية محتشمة تجلت على وجه الخصوص في تأخر تعليق القوائم في الألواح التي تم تنصيبها في الأماكن العمومية. وحتى وإن كانت كل التوقعات متجهة نحو ترقب بداية باهتة ومحتشمة، بالنظر إلى الظروف التي تحيط بانطلاق هذه الحملة الانتخابية ومنها تزامنها مع الفترة الأليمة وحالة الحداد التي تعيشها البلاد بفقدان الرئيس الأسبق الراحل أحمد بن بلة الذي ووري جثمانه الثرى قبل يومين من موعد انطلاق هذا الحدث السياسي، وكذا تزامنها مع رداءة الأحوال الجوية التي تميز مختلف مناطق البلاد، إلا أن التجوال عبر شوارع العاصمة والمدن الجزائرية لمعاينة مدى اهتمام المواطنين بهذه الموعد السياسي الحاسم يبين بأن العوامل التقنية أيضا لها دخل كبير في فرض هذه الوتيرة البطيئة التي بدأت بها الحملة الانتخابية. فقد غابت قوائم الترشيحات لغالبية الأحزاب السياسية من ألواح التعليق التي نصبت لهذا الغرض عبر مختلف الشوارع والساحات العمومية، ومنها ساحة البريد المركزي التي تعتبر من أهم الساحات العمومة بالعاصمة والتي اقتصرت القوائم المعلقة عليها إلى غاية ظهر أمس على حزبين سياسيين فقط هما حزب جبهة التحرير الوطني والحزب الوطني للتضامن والتنمية. غير أن الفضول الكبير الذي طبع العديد من المواطنين الذين وقفوا أمام هاتين القائمتين للإطلاع على الأسماء التي حملتها، يدفع إلى الاعتقاد بأن الجزائريين يولون بالفعل اهتماما خاصا بالموعد الانتخابي الهام الذي تقبل عليه الجزائر، بخلاف المواعد المماثلة السابقة حيث كان مستوى الإقبال على هذه القوائم في الأيام الأولى من الحملات الانتخابية لا يتجاوز طابع الفضول فقط. وبخلاف الجوانب التقنية التي شملت أيضا انطلاق مداخلات المترشحين وقادة التشكيلات السياسية المشاركة في الانتخابات التشريعية عبر وسائل الإعلام السمعية والمرئية، فقد اتخذت الحملة الانتخابية منحاها الطبيعي في جانبها السياسي المتصل بتنظيم الأحزاب لتجمعاتها الشعبية ونشاطاتها الجوارية، حيث سجلت غالبية التشكيلات دخولها المباشر في هذا الموعد من خلال تنظيمها للقاءات مع المناضلين والمواطنين لإقناعهم ببرامجها وكسب الأصوات التي تؤهلها إلى الظفر بأكبر عدد ممكن من المقاعد في الغرفة البرلمانية السفلى في حلتها الجديدة التي ستضم لأول مرة 462 مقعدا. ففي هذا الإطار دشن مسؤولا كل من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي الحملة الانتخابية لحزبيهما من جنوب البلاد، بينما اختار كل من رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية والأمينة العامة لحزب العمال منطقة الغرب لتكون منطلق حملة حزبيهما للتشريعيات، في حين دخل تكتل ''الجزائر الخضراء'' الذي يضم حركة مجتمع السلم وحركة النهضة وحركة الإصلاح غمار المنافسة من شرق الوطن حيث نشط زعماء هذه الأحزاب تجمعا شعبيا بقسنطينة، واختارت جبهة التغيير الانطلاق من بيت المرحوم محفوظ نحناح بولاية البليدة، وتوزعت نشاطات التشكيلات السياسية الأخرى على مختلف ولايات الوطن، واقتصر النشاط الدعائي بعاصمة البلاد على بعض الأعمال الجوارية ومنها تلك التي نظمها متصدر قائمة تكتل ''الجزائر الخضراء'' علاوة على ثلاثة أحزاب سياسية هي الجبهة الوطنية للعدالة الاجتماعية، جبهة المستقبل وحزب الحرية والعدالة، حيث اختار مسؤولا الحزبين الأخيرين تدشين حملتهما بالوقوف دقيقة صمت بمقبرة العالية ترحما على روح الرئيس الأسبق أحمد بن بلة. وستستمر المنافسة الدعائية للقوائم المشاركة في الانتخابات التشريعية إلى غاية 6 ماي القادم عبر التجمعات الشعبية والتدخلات التلفزيونية والإذاعية والحملات الإشهارية والملصقات، وينتظر أن يتنوع الخطاب السياسي بين عارض لدعم الاستقرار وتثمين المكاسب المحققة في البلاد، وداعي إلى التغيير وإحداث قطيعة مع نمط العيش الذي اعتاده الجزائريون لحد الآن، غير أن القاسم المشترك الذي يرتقب أن يجمع خطاب كافة المتدخلين في هذه الحملة الانتخابية هو دعوة الجزائريين كافة إلى التصويت بقوة وبكثافة يوم الاقتراع، لاختيار الأصلح والقادر على إنجاح الإصلاحات التي باشرتها الجزائر من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة.