أجمع الدكتوران محمد داود وحاج ملياني على أنّ دور النشر في الجزائر لا تساعد الباحثين في دراسة وضعية القراءة التي تدهورت بشكل ملفت بشهادة متخصّصين، ذلك أّنها لا تقدّم أرقاما عن مبيعاتها لأسباب غير معروفة. أكّد الباحثان في علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية خلال تنشيطهما لندوة حول ''القراءة الأدبية في الجزائر والآفاق''، أوّل أمس بالمعرض الوطني الثامن للكتاب بقصر المعارض، أنّ دور النشر تلعب دورا محوريا لتشجيع القراءة في أوساط الجزائريين، وهي بعيدة عن المشاركة في البحوث العلمية من خلال تقديم إحصائيات تكون مفيدة لتشخيص المعضلة. وبعد أن أوضح أنّ وضعية القراءة في تدهور، تناول الدكتور حاج ملياني من جامعة مستغانم بشيء من التفصيل الأسئلة التي تفرض نفسها، مثل ''ماذا نقرأ ولماذا نقرأ ؟''، مشيرا إلى أنّ المنظومة التربوية لا تفعل شيئا أمام عزوف التلاميذ عن القراءة ولا تبذل جهدا لتحبيب المطالعة في أوساط الأقسام الدراسية مثلما كان الحال عليه سنوات السبعينات، وأضاف أنّ معرفة قيمة الكتاب مهمة، كون الناس بالرغم من أنّ لهم طريقتهم في القراءة، لكنّهم يحبّذون تناول الكتب المعروفة والجيدة، إذ يسألون عن المضمون كما يركّزون على الشكل الخارجي والجمالي للمؤلف. واقترح المتحدّث أن تغيّر الدولة من شكل الدعم للكتاب، وتقوم بشراء كلّ كتب الناشرين وتوزّعها على المكتبات العمومية، مشيرا إلى أنّه في ظلّ العولمة الحالية يقتضي دعم المنتوج الوطني، وإلاّ فإنّ دور النشر ستغلق أبوابها، كما اقترح على المؤلّفين والكُتّاب متابعة كتبهم في إطار ما سمّاه ''خدمة ما بعد البيع''، حيث يرافق الكاتب كتابه حيثما كان في المدارس والثانويات والمكتبات العمومية وغيرها من المرافق بهدف الترويج لمنتوجه، في محاولة لتقريب القراءة الأدبية من المهتمين. من جهته، أوضح الدكتور محمد داود من جامعة وهران أنّ مهمة الناشر خطيرة كونه يصنع الكتاب ويسوقه حتى يحظى بإعجاب القارئ ويقبل على شرائه بناء على مجموعة من التحفيزات، إذ هو الوحيد الذي يمنح الشرعية للمؤلّف، ولكنّه اعترف بأنّ القراءة في الجزائر قد عرفت تراجعا كبيرا، ولا سيما في فترة الفراغ الثقافي سنوات التسعينات الذي كان سببا رئيسيا في تراجع المقروئية. وأضاف المتحدّث أنّ الوقت الحالي يحمل مؤشّرات ايجابية وفّرتها الوصاية، حيث برزت العديد من دور النشر وظهر جيل جديد من الأدباء، إلاّ أنّ المشكل في التراجع مرتبط بسوء التوزيع فوزارة الثقافة دعّمت الكثير من الأدباء الشباب وأصدرت لهم كتبا، لكن معظمها حبيس المكاتب العمومية ودور النشر، وقال ''لحد الآن لم نجد الحل وهذا يحول دون وصول الكتاب إلى القرّاء".