كلما كان الشخص المريض متعلما ومثقفا، كان أكثر تقيدا بالتعليمات التي يمليها عليه طبيبه، وكانت حظوظه في الشفاء كبيرة، على خلاف المريض غير المتعلم الذي في كثير من الأحيان تتعقد حالته الصحية، لقلة وعية الصحي وإهمال تعليمات طبيبه... هي النتيجة التي استخلصها فريق بحث علمي مكون من 15 طبيبا، عرض خلاصة بحثه بالملتقى الذي نظم مؤخرا في العاصمة حول مرض الرثية، وحول الدافع للقيام بهذا البحث وأهم نتائجه، حاورت ''المساء'' سامي سليماني، طبيب مساعد في أمراض الروماتيزم بالمستشفى الجامعي بباتنة، مشارك في البحث. - بداية، ما هو الدافع للقيام بهذا البحث؟ * بعد أن وقفنا على الحالات الكثيرة للأشخاص المصابين بمرض الرثية، من الذين تعرضوا للإعاقة بعد أقل من ثماني سنوات من إصابتهم ببعض أنواع أمراض الرثية، رغبنا في معرفة السبب، لا سيما وأن الأدوية متوفرة. انطلاقا من هذا، ارتأينا أن ننطلق من فرضية معينة، فقمنا بجمع كل المرضى المصابين بالتهاب الرثية، المتواجدين على مستوى الشمال الجزائري، وطبقنا عليهم الفرضية. - ما هي الفرضية التي انطلقتم منها؟ * انطلقنا من فرضية مفادها أن الذين لم يدرسوا أو كان مستواهم التعليمي ضعيفا، لا يولون أهمية للفحص الطبي ولا يتقيدون بالتعليمات الطبية، خاصة ما يتعلق بطريقة استهلاك الدواء، في ظل غياب الألم، وهو الخطأ الذي يقع فيه كثير من المرضى الذين بمجرد أن يزول عنهم الألم، يوقفون العلاج، على خلاف بعض المرضى المتعلمين من الذين يتقيدون بما يصفه لهم طبيبهم المعالج، ومن ثمة، فالفرضية التي انطلقنا منها، تقوم على المقارنة بين المرضى المتعلمين وغير المتعلمين المصابين بمرض الرثية، والبحث في إمكانية التحكم بالمرض وتجنيبهم الوقوع ضحية للإعاقة في مدة وجيزة. - من أشرف على البحث؟ * في الواقع، كان البحث عملا جماعيا لفريق طبي متخصص في مرض الرثية، مكون من 15 طبيبا، ولعل أهم هدف سطرناه هو الرغبة في معرفة ما إذا كان المستوى الدراسي للمريض له علاقة، وتفاقم الحالة الصحية للمريض، وبالتالي إصابته بالإعاقة أم لا. - فيما تمثلت نتيجة بحثكم؟ * كما كان متوقعا عند الفوج الطبي المشرف على البحث، فالنتيجة التي وصلنا إليها من خلال البحث الذي أجريناه على مرضى التهاب الرثية المتواجدين بالشمال الجزائري، كانت مطابقة، والفرضية التي انطلقنا منها، حيث ثبت لنا بأن المستوى الدراسي لديه دور كبير في حماية المريض من التعرض للإعاقة. إذ أظهرت نتائج البحث أن الفئة المثقفة من المرضى يتابعون علاجهم ويلتزمون بتناول أدويتهم في موعدها، حتى في ظل غياب الألم، ما يجعلهم معرضين لإعاقة مخففة، وثبت أيضا أنهم يلجؤون في كل مرة لاستشارة الطبيب، لأنهم على دراية أنه الشخص المخول بمساعدتهم وتوجيههم، وبالعكس في الفئة عديمة المستوى التعليمي، أو تلك التي كان تعليمها ضعيفا، أظهر البحث أنها فئة تتجنب الطبيب وتهمل تناول الدواء، كما تبحث عن العلاج لبعض أمراض الرثية في الطب البديل، ما يجعل إعاقتها من النوع الثقيل وتصاب بها في وقت مبكر. - كيف تطبقون نتائج البحث من الناحية العملية؟ * انطلاقا من قاعدة أنه لا يمكن تغيير بعض الذهنيات لدى بعض المرضى المصابين ببعض أمراض الرثية، ارتأينا الاستفادة من نتائج هذا البحث وتطبيقه على الأدوية التي تقدم للمرضى من الفئة غير المثقفة، بحيث نعمل على إعطائهم أدوية ذات مفعول قوي لحمايتهم من التعرض المبكر للإعاقة، لأننا إن قدمنا لهم الأدوية المعتادة، فالأكيد أن تعرضهم للإعاقة سيكون في وقت مبكر. - هل شرعتم في تطبيق نتائج بحثكم؟ * لم نبدأ بعد في تطبيق نتائج البحث على المرضى بعد، لأننا في حاجة إلى القيام ببحث آخر يقوم على نفس الفرضية، وإن جاءت نتائج البحثين متطابقة، من المنتظر أن نشرع في تطبيق نتائج هذا البحث في القريب العاجل على المرضى المصابين ببعض أمراض الرثية، ونخص بالتحديد الفئة غير المتعلمة. - ما هي أكثر أمراض الرثية انتشارا في الجزائر؟ * مرض الرثية عموما منتشر بكثرة في الجزائر، ولا يزال غير معروف عند عامة الناس الذين كانوا يرجعون هذا المرض إلى عامل التقدم في السن، لا سيما وأن الإعلام لم يعطه حقه ليتسنى للناس التعرف، على الأقل، على ماهية المرض وأعراضه ومدى خطورته، غير أن أكثر الأنواع انتشارا في الجزائر، هي ما يسمى آلام الغضروف، ويصيب النساء عموما أكثر من الرجال، بحكم أن المرأة تعرف مشاكل في تغيّر الهرمونات، ناهيك عن كونها لا تعمل على تقوية عضلاتها، بحكم أنها تقوم فقط ببعض الأعمال المنزلية، ولا تمارس الرياضة، وعلى العموم هذه الأسباب أي الهرمونات وعدم القيام بالرياضة، معروفة عالميا أنها من الأسباب التي تؤدي إلى ظهور مرض الرثية. - هل تملك الجزائر أطباء متخصصين في مرض الرثية؟ * ربما في وقت مضى، قلة الأخصائيين في مرض الرثية كان يطرح مشاكل بحدة، ولكن اليوم وبفضل الجهود الحثيثة للدولة الجزائرية لتكوين الأطباء، نملك 400 طبيب مختص في مرض الرثية، موزعين في مختلف ربوع الوطن يتكفلون بالمرضى. - هل يصيب مرض الرثية الأطفال؟ * طبعا، مرض الرثية يصيب الأطفال في سن مبكرة، إذ يظهر عادة عند الأطفال في سن العامين، وبالتحديد فإن أكثر أمراض الرثية انتشارا في شريحة الأطفال، هي الرثية الدموية التي يمكن لطبيب الأطفال التعرف عليها، من خلال انتفاخ المفاصل. - بالنظر إلى العدد الكبير لمختلف أنواع الرثية، هل تتشابه من حيث الأعراض؟ * حقيقة، 95 بالمائة من أمراض الرثية تتشابه من حيث أعراضها التي تجتمع، عموما، في الشعور بالألم. - بما تنصح كطبيب المرضى المصابين بداء الرثية؟ * نعمل دائما في عالم الطب وفقا للقاعدة التي تقول؛ ''الوقاية خير من العلاج''، وفي حال التعرض للمرض، لابد من الخضوع للعلاج وتناول الأدوية بانتظام، بحكم أن بعض الأدوية تعطي نتائج على المدى الطويل، وتبقى الاستشارة الطبية ضرورية مهما كان المرض.