اختارت حركة مجتمع السلم صف المعارضة السياسية بإعلانها قرار مقاطعتها للحكومة المقبلة، مقابل عدم مقاطعة البرلمان والمشاركة في المجلس الشعبي الوطني الجديد ممثلة ب47 مقعدا التي حصلت عليها مع شريكيها في تكتل الجزائر الخضراء، هذا التكتل الذي ستعمل حمس حسب توصيات مجلس شورى الحركة على تعزيزه وتقويته من خلال دعم آلياته والإبقاء عليه مفتوحا لأية تشكيلة ترغب في الالتحاق به. فقد صوت غالبية أعضاء مجلس الشورى الوطني للحركة في ختام أشغال دورته الطارئة التي امتدت إلى ساعة متأخرة من ليلة أول أمس على قرار عدم المشاركة في الحكومة القادمة في حال عرض عليها ذلك، تساوقا مع الموقف الذي اتخذته قيادة الحركة فور إعلان نتائج الانتخابات التشريعية للعاشر ماي الجاري، حيث أعلنت ''حمس'' حينها اعتراضها على تلك النتائج التي لم تمنح التكتل الذي يجمعها مع حركتي الإصلاح الوطني والنهضة إلا 47 مقعدا من أصل ال462 مقعدا التي تضمها الغرفة السفلى في البرلمان، ملمحة إلى أنها ستسعى لتكون أول قوة سياسية معارضة في البلاد ''تنعقد عليها آمال الإصلاح ورهانات المستقبل''. كما قرر مجلس الشورى للحركة عدم مقاطعة البرلمان، رافضا ترك المقاعد التي حازت عليها حمس وشريكيها في تكتل الجزائر الخضراء شاغرة، وذلك وفاء لالتزاماتها بخدمة ناخبيها، ومن منطلق تسهيل عملها في إطار الموقع الجديد الذي اتخذته والذي يستدعي حسب مصادر من مجلس الشورى، استغلال كل المنابر المتاحة للتعبير عن آراء وتطلعات الشعب. أما القرار الثالث المنبثق عن الدورة الطارئة لمجلس الشورى، فتمثل في بقاء حركة مجتمع السلم في تكتل الجزائر الخضراء، رفقة حليفيها المتمثلين في حركتي النهضة والإصلاح الوطني، مع العمل على تعزيز مكانة هذا التكتل وتقويته من خلال إعادة النظر في آليات عمله وترقيتها والإبقاء على التكتل مفتوحا لأية تشكيلة سياسية أخرى ترغب في الانضمام إليه. والمنتظر في هذا الإطار أن يقوم مجلس الشورى في دورته العادية المقررة في جوان القادم بالإعلان عن المقترحات والتصورات الجديدة التي ستعيد ضبط آليات عمل هذا التكتل. وباتخاذها لقرار مقاطعة الحكومة تكون حركة مجتمع السلم قد وضعت حدا لمشاركاتها في الحكومات المتعاقبة منذ سنة 1996 حين دشنت أول تجربة لدخول التيار الإسلامي في الجهاز التنفيذي بحقيبتين وزاريتين تمثلتا في وزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي عين على رأسها السيد عبد القادر حميتو وكتابة الدولة للصيد البحري التي قادها الرئيس الحالي للحركة السيد أبو جرة سلطاني. وينهي القرار الذي عارضه 35 عضوا في مجلس الشورى الوطني للحركة في اجتماع أول أمس، ثبات الحركة في العمل بمبدإ المشاركة الذي رسخته في ثقافتها السياسية منذ انعقاد أول مؤتمراتها في نهاية ماي ,1991 حيث لم تتخلف عن المشاركة في كل الاستحقاقات الانتخابية رافضة سياسة الكرسي الشاغر، ومفضلة خيار النضال من داخل الحكومة، التي تراه الأجدى في التأثير على الحياة السياسية وتحقيق المكاسب. غير أن القرار الثاني الذي اتخذه مجلس الشورى ل''حمس'' والمتمثل في المشاركة في البرلمان، يصنع توازنا في تعاملها مع مبدأ المشاركة، الذي لا تنحصر معانيه ودلالاته حسب قاموس الحركة في المشاركة في الجهاز التنفيذي فحسب، بل يتعدى ذلك إلى الجهاز التشريعي، وبالتالي تكون ''حمس'' بخيار الالتحاق بمقاعدها في المجلس الشعبي الوطني الجديد، ورفضها الانضمام إلى مجموعة الأحزاب السياسية التي لازالت تدرس مقترح مقاطعة البرلمان، قد أكدت على أنها تبقى وفية لمبادئها وثوابتها وفي مقدمتها مبدأ المشاركة الذي لم تتخل عنه بالكامل، حتى وإن كانت قد ضحت بحقائبها الوزارية وأحرجت أكثر إطاراتها وفاء للعمل الحكومي. وإذا كان القراران السابقان اللذان خرج بهما مجلس الشورى في دورته الطارئة، اتسما بطابع المفاجأة بالنسبة لبعض المتتبعين، فإن قرار تمديد حياة تكتل الجزائر الخضراء وبقاء حركة مجتمع السلم كأبرز أركانه، كان يبدو منتظرا بالنظر إلى التحديات السياسية التي تحملها المرحلة القادمة، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية المقررة قبل نهاية السنة، وما سيتبعها من عمل تحضيري للانتخابات الرئاسية لسنة ,2014 وقبل ذلك كله العمل السياسي المكثف المقرر أن يميز مرحلة استكمال الإصلاحات السياسية في البلاد، والذي سيبدأ بأهم ورشاته المتمثلة في تعديل الدستور. وتدفع كل هذه الاستحقاقات المستقبلية علاوة على حداثة نشأة التكتل وقصر تجربته، تحالف الأحزاب السياسية الثلاثة إلى مواصلة المسيرة، وتجاوز الصدمة التي أحدثتها نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتقوية العمل المشترك من أجل تحقيق المكاسب السياسية التي تمكنه من تجسيد الأهداف التي رسمها لنفسه بمناسبة تشريعيات 10 ماي تحت عنوان ''الإصلاح والتغيير''. وتجعل كل هذه العوامل التي يضاف إليها الإصرار المعبر عنه من قبل رئيس حركة مجتمع السلم في افتتاح أشغال مجلس الشورى، على ضرورة مواصلة النضال وفق تصورات جديدة، رغبة من أحزاب تكتل الجزائر الخضراء في مواصلة المغامرة السياسية باعتبارالمشاركة أمرا استراتيجيا ملحا.