أنجبت الدراجة الجزائرية أبطالا لا يعدون ولا يحصون أثناء الحقبة الإستعمارية وبعد الإستقلال، صنعوا أمجاد هذه الرياضة على مر السنين، وكان أشهرهم المرحوم عبد القادر زعاف الملقب ب . le casseur de baraques ، واعتبره الإختصاصيون لهذا الفرع في الخمسينيات، من بين أحسن الدراجين على المستوى الأوربي، وكان بوسعه انتزاع لقب دورة فرنسا الشهيرة لولا تعرضه لمكيدة، حيث يروي أحد معارف عائلة عبد القادر زعاف، أن هذا الأخير تناول بدون قصد، سائلا مخدرا سلمه إياه مسير من الفرق المتنافسة، بغية منعه من الفوز بالدورة، مما جعله يجد صعوبة لمواصلة المنافسة، وأشيع في الدورة أن زعاف شارك في الدورة وهو ثمل، لكن الحقيقة ليست كذلك. ولم يكن زعاف في تلك الفترة الدراج الجزائري الوحيد الذي نافس الأوروبيين بشراسة كبيرة، حيث برز إلى جانبه أحمد قبائلي (أطال الله في عمره) الذي كان يفرض سيطرة مطلقة على دورات بطولة الجزائر، شارك فيها أوروبيون ذوو سمعة عالمية، ولا ننسى أيضا الدراج بن سرسة من قسنطينة الذي كان بطلا لشمال إفريقيا عدة مرات. وخلف هؤلاء الأبطال مع بداية الإستقلال، أسماء لامعة شكلت النواة الأولى للمنتخب الوطني، منها بشكل خاص حمزة مجيد، محي الدين، درارني، واشاك و أحمد جليل، وكان لهذا الأخير الفضل في فتح باب التتويجات في رياضة الدراجة للجزائر المستقلة، حيث أهدى لبلاده ميدالية ذهبية في أولى الألعاب الإفريقية، شاركت فيها الجزائر سنة 1965 ببرازافيل (الكونغو الشعبية سابقا)، وقد فتح له هذا التتويج طريقا منيرا لمشواره الرياضي الذي كان حافلا بالألقاب و المشاركات الناجحة مع المنتخب الوطني. انطلق جليل في ممارسة هذه الرياضة سنة 1960 تحت ألوان نادي بئر مراد رايس، وقد سطع نجمه بسرعة، حيث أصبح بطلا للجزائر في سن التاسعة عشر، ولم يلبث أن استدعي في السنة الثانية من الإستقلال إلى الفريق الوطني رفقة حمزة مجيد، زعاف الطاهر، محي الدين وواشاك، فخاض عدة منافسات دولية، ومن أجمل ما يتذكره جليل في دردشة جمعتنا معه، مشاركته في دورتي المغرب وتونس رفقة أبطال فرنسا والعالم آنذاك لوسيان إيمار، والبطل الأولمبي غوستا بيترسون، وسرد لنا جليل خطواته الأولى على المستوى الدولي بالقول: «لقد شاركت في البطولة العالمية مرتين ( 1964 و1965 )، خاصة تلك التي خضتها بمدينة سيباستيان الإسبانية، حيث احتللت فيها المركز الثالث والثلاثين، بعد أن دخلت ضمن المجموعة التي رافقت إلى غاية خط الوصول بطل العالم إيدي ماركس «. وظل أحمد جليل لعدة سنوات عنصرا بارزا في صفوف المنتخب الوطني، لتألقه المستمر في البطولة الوطنية والدورات الدولية، وعين فيما بعد قائدا للتشكيلة الوطنية لجديته في العمل وحبه الشديد في الدفاع عن ألوان بلده في كل المنافسات الدولية التي خاضها في السبعينات، ويقول جليل في هذا الشأن: « كانت الدراجة الجزائرية خلال الستينات والسبعينات تقارب المستوى العالمي، وقد تعدت سمعتها الحدود الوطنية بفضل العمل القاعدي الكبير الذي كان ينجز من طرف مسيرين ومكونين تفانوا في خدمة هذه الرياضة من أمثال قبايلي وطاهير اللذين تقلدا رئاسة الإتحادية في أحسن فترة عرفتها هذه الرياضة»، و أضاف جليل والدموع تغمر عينيه: «اليوم، للأسف الشديد، أصبحت الجزائر من أضعف البلدان العربية والإفريقية في هذا التخصص الرياضي، وقد كنت في وقت ليس ببعيد مديرا فنيا بالفيدرالية واضطررت للإنسحاب لأسباب مرتبطة بأمور التنظيم داخل الهيئة الفيدرالية، وقتها بدأت بعض الممارسات التي كانت ترمي إلى إقصاء التقنيين الحقيقيين، أذكر منهم حمزة مجيد الذي اضطر إلى مغادرة الوطن، حيث عمل كمدرب لمنتخب الإمارات العربية المتحدة». وأنهى جليل حديثه معنا بالقول: «لقد يئست من رؤية عودة الدراجة الجزائرية إلى مستواها السابق الذي صنع مجدها ووضعها بين أحسن الأمم في هذه الرياضة التي أنجبت أبطالا كبارا، شأنها شأن الملاكمة وكرة القدم».