أجمع باحثون ومختصّون في الشعر الشعبي أنّ قصيدة «الأمانة» لأمير شعراء الملحون لخضر بن خلوف; تُعدّ بمثابة الاعتماد الروحاني في مواصلة العمل الصوفي الذي تسلّمه من الولي سيدي بومدين الغوث، وكشف فيها الشاعر رحلته إلى تلمسان، وروى الحديث الروحاني الذي دار بينهما في تلك القصيدة. أكّد الباحثون على هامش الأيام الدراسية التي ينظّمها المهرجان الوطني لأغنية الشعبي يوم الأربعاء المنصرم، والتي خصّصت لتحليل وقراءة القصيدة الشهيرة التي جعلت منه بعدها وليا صالحا، والتي وسمها ب«الأمانة»، أنّ سيدي لخضر بن خلوف الذي ألهمه الله أن يسافر من داره بمستغانم - وهو مدّاح الرسول- باتّجاه تلمسان ليأخذ اعتماده الروحاني من ولي تلمسان الصالح سيدي بومدين الغوث، وحسب مطلع القصيدة، فإنّ بن خلوف قد انتظر خمسين عاما ليحقّق أمنيته ويذهب إلى تلمسان: «آه يا سعدي وفرحتي من بومدين الغوث جبت الأمانة من يعد بعد خمسين عام وأنا نستنى سعيت بروحي وراحتي محمد الفضيل مفتاح الجنة أحمد روحي وراحتي» وقال عبد القادر بن دعماش أنّ الأمانة التي يقصدها بن خلوف في قصيده تحمل معنى روحيا محضا، وليست مادية بالمعنى المتعارف عليه، ورغم أنّها أمانة ميت إلى حي، إذ أنّ سيدي بومدين سبق بن خلوف للحياة بأربعة قرون أو تزيد، لكنّها تحمل من الرمزية والروحية ما جعلت بن خلوف يسارع إلى لقائه حتى تفرج ضيقته، ويقول في القصيدة: «آه يا سعدي وفرحتي بهذا الملقى فيها شلا نصيف من نعايم الأسرار كنت على كل يوم تأخذني الضيقة مكاوية منورة من نور المختار حتى جاد الإله من ليه البقاء أنعم علي بزورة إمام الجدار» وحسب الباحث طواجين بوعسرية، فإنّ بن خلوف في هذا المقطع يشير إلى أنّه كان يعاني من ضيق مصدره نور النبي محمد، ويرتاح منها بعد أن يزور إمام الجدار ويقصد سيدي بومدين بمشيئة الله، ثم يرصد في أبياته الرحلة مثلما كانت، وقد استعان على الصلاة والتسبيح طول الطريق، ثم عندما يصل إلى مقام سيدي بومدين يدور حوار روحاني بينهما، ويقول: «تم مكنت له بريتي منين قراها أنا واياه تسالمنا عجباته جماعتي أقضيت منه مسايلي وتعاهدنا أه يا سعدي وفرحتي محمد الفضيل مفتاح الجنة أحمد روحي وراحتي بتنا متذاكرين الليل وما طال على دين النبي أحمد طه المبرور قال لي أنا بومدين أصلي من الأفضال من الأندلس همتي فيها مذكور قلت له أنا بن خلوف مداح المرسال هاويني بالحديث يا مصباح النور» ويشرح بوعسرية المقطع على أنّ حديث بن خلوف لم يكن محض الرؤية، ولكن لخّص ذلك الاتصال الروحي، ويؤكّد أنّ شعره في مدح الرسول قد أعجب سيدي بومدين، ولذلك قرّر منحه الأمانة ليواصل في تسيير الطريقة الصوفية في نشر تعاليم الإسلام وفي مدح سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام: «بعد كمال الحديث قال لي يا الأكحل خذ الأمانة وسير بها بإذن الله مية وعشرين شيخ من والي الكامل طبعوا لك بالنصاف هاك الكاغط اقراه كمل الختمة الشفيع المفضل أسقاك بالسر الزمزمي رسول الله» وبعد هذا اللقاء توّج مدّاح رسول الله وليا صالحا من بعد، وقد أفنى عمره في التصوّف والزّهد، ولما عاد إلى دياره، قام بن خلوف بزيارة كلّ الأضرحة والأولياء الصالحين في مقاماهم بمنطقته، وذلك من باب الأدب والعرفان بأفضالهم، وقد ذكرهم بالاسم في نهاية القصيدة.