الجاحظية رغم الزلزال العنيف الذي هز أركانها من خلال فقدانها لمؤسسها ومحركها الروائي الطاهر وطار، إلا أنها بدأت تسترد عافيتها وتتبين طريقها نحو الأهداف التي سطرتها والخروج بمحصول ثقافي جيد لهذا الموسم الذي نحتفل فيه بالعيد ال 50 لذكرى الاستقلال، التقت «المساء» بالأستاذ محمد تين رئيس الجمعية الثقافية الجاحظية وأجرت معه هذا الحديث... «المساء»: ما هو البرنامج الذي سطرتموه للاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال؟ - محمد تين: كما تعرفون، الجاحظية أول من بادر بالاحتفال وإحياء الذكرى الخمسين للاستقلال لمراجعة الدروس والنفس، وشرعت في هذا الاحتفال في شهر نوفمبر 2011 حيث برمجت سلسلة من المحاضرات موزعة على كامل الفصل، كما شرعت بإحياء الأعياد الوطنية وتخصصها للاحتفال مع الأطفال حرصا منها على المحافظة على الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري وتراثه الثوري بكل ما يتضمنه من قيم إنسانية، هذا فيما يخص الذكرى الخمسين، أما ما يخص انطلاق الموسم الجديد، فإن الجمعية بعد أن عملت في الموسم الماضي على الشروع في تنصيب النوادي، فإنها تركز هذه السنة على تحميل هذه النوادي مسؤولية التنشيط الثقافي كل في اطار اختصاصه، ونعلن أن الجاحظية ستسهر هذه السنة على تقديم محاضرات أكاديمية، ففي كل شهر تلقى محاضرة وسنوفر لها اسباب النجاح الكيفي والنوعي، على ان تتولى النوادي تنشيط بقية الأسابيع، وهكذا يتسنى لها تحسين نوعية المحاضرات من جهة وتقييم مختلف النوادي من خلال تقييم نشاطها في كل موسم. * انطلق الدخول الاجتماعي فهل انطلقت الجاحظية في موسمها الثقافي؟ - انطلاق الموسم الثقافي بالجاحظية كان بودنا أن يبدأ يوم 05 أكتوبر لكونه يوما مشهودا في تاريخ الشعب الجزائري، إلا أن هذا اليوم صادف يوم جمعة وهذا ما يجعلنا ننطلق يوم 06 أكتوبر وانطلاق الموسم يتميز هذه السنة بالإضافة الى المراسيم الرسمية لافتتاح كل موسم، بوقفة ترحم على روح المرحوم الطاهر وطار المؤسس لجمعية الجاحظية، وذلك من خلال قراءة قصته «يوم أن مشيت في جنازتي ومشى الناس»، ومن خلال تقديم آخر رواية له: « قصيد في التذلل» والتي تتناول موضوع علاقة المثقف بالسلطة، وما أحوجنا الى مناقشة هذا الوضوع في الظروف الراهنة. * من المعلوم أن نصوص الطاهر وطار تنطلق من واقع المجتمع قصد تعريته إبان الثورة وبعدها، فكيف تربطون هذه الإبداعات بالذكرى الخمسين للاستقلال؟ - عندما نقوم بحصيلة لأعمال الطاهر وطار قبل تَََصَدُّرِ رواياته تقديم مشروع مجتمع، نجد أعماله تقف على نقد النظام القائم وتوقع إفلاسه، أو وصوله بالبلاد الى مأزق، وهذه الرؤى كانت صادقة الى حد بعيد، وواضح اليوم أن السؤال التقليدي «الجزائر الى أين؟»صار يطرحه معظم الجزائريين. * في أحد الملتقيات الأدبية الدولية التي احتضنتها الجزائر وحضرها كتاب عرب أمثال الطيب صالح الروائي السوداني وجمال الغيطاني الروائي المصري، اللذين أجمعا على أن الطاهر وطار أقدر روائي عربي على تصوير الشخصيات السلبية، فبم ترد على ذلك؟ - أشكال وظروف أتاحت للطاهر وطار أن يصور تناقضات المجتمع ودواليب السلطة، الفرق هو أن الثورة الجزائرية عملت على تحريك المجتمع فصار منهمكا في الحياة العامة، بينما الدول العربية عرفت نوعا آخر من الاستعمار فجاءت على نتيجة هي تحرك النخبة بينما بقي المجتمع في معزل عن الحياة العامة، هذه هي الخصوصية من هذا التصوير، ويقينا أن من عاش الشيء أقدر على تصويره ممن يتخيله، من ناحية الطاهر وطار لم يكن ذلك المثقف الذي يعيش في برجه العاجي، الطاهر بدأ حياته في الزيتونة ثم صار مجاهدا ثم مناضلا في الحزب، ثم معارضا ومنتميا الى حركة سرية «حركة المقاومة الشعبية» التي انتظمت بعد انقلاب 19 جوان 1965، وبالتالي كان يعيش ملء قضايا شعبه طولا وعرضا، هذا ما يختلف في وطار عن بقية الكتاب وبالتالي كونه يعيش هذا الواقع، يعيش آمال شعبه كما يعيش الخيبة التي يمثلها المسؤولون الذين تولوا زمام الحكم بعد الثورة. * الجاحظية في عهد وطار كانت لها مردودات مادية من وزارة الثقافة فلماذا هي اليوم بحاجة ماسةإلى مثل هذه الموارد؟ - الجاحظية جمعية ثقافية مواردها محدودة، ونحن شرعنا في الاتصال بالولايات ودور الثقافة عبر الولايات لتوفير الظروف لتنشيط النشاطات الثقافية لها الفرعي منها والمركزي، ومنذ البداية اعلنت الجاحظية أنها ستتنقل بحثا عن أبنائنا الموهوبين ومحاولة الأخذ بأيديهم والوصول بهم الى الحظوة، ونطلب من السادة الولاة تلبية هذه الدعوة لنتعاون جميعا على مد خيوط الامل لأبناء الجزائر الذين هم المستقبل، أما بخصوص تمويل وزارة الثقافة فهناك جوانب قانونية طرأت بعد وفاة الطاهر وطار، حيث وقع نوع من التراوح لموسم كامل قبل انعقاد المؤتمر، وزارة الثقافة كانت تنتظر انعقاد المؤتمر لتتعامل في اطار القانون، انعقد المؤتمر في 05 جوان 2011 وكانت الوزارة أنهت البت في المساعدات التقليدية التي تقدمها للجمعيات ومن الطبيعي لم تكن الجاحظية من بين الجمعيات، لأنها لم تعقد مؤتمرها، لكن الوزارة قدمت مبلغا مقابل الملتقى الدولي الذي انعقد من 7 الى 10 ديسمبر 2011 والذي انتهى بالإعلان عن نتائج مسابقة جائزة مفدي زكرياء العربية للشعر، والتي للأسف التلفزة الجزائرية قالت أن هذه الجائزة قد اختفت باختفاء الطاهر وطار ونأسف عن هذه الاقوال وكأنما تحولت التلفزة للعمي الصم الذين لا يسمعون ولا يبصرون، أما من الناحية المخصصة للجاحظية فلا تكاد تكون شيئا مذكورا قياسا بالنشاطات التي تقدمها الجمعية سواء على المستوى المركزي أو على المستوى الوطني، وفي كثير من الأحيان نجد أنفسنا في مأزق من الجانب المادي، وكما ترون فإن مقر الجمعية المسخر كليا لأداء خدمة عمومية لمختلف فئات المثقفين بناؤهه يتهلهل من سنة الى أخرى وليس في مقدور الجمعية القيام بإصلاحات في مستوى التصدعات القائمة في البناء، ولم تبادر السلطات العمومية بالتكفل بهذه الإصلاحات، باعتبار أن ما تقوم به الجمعية يسهم في تأطير فئات واسعة من المجتمع مثلها مثل أي مؤسسة عمومية. * كانت الجمعية تصدر الكثير من العناوين إبان عهد الطاهر وطار، فلماذا هي اليوم متوقفة عن هذا النشاط؟ - من ناحية الإصدارات، فإن المطبعة من الناحية النوعية كانت غير تنافسية باعتبارها قديمة وتتطلب إصلاحا في كل مرة، مما حدا بنا الى اللجوء الى الطبع لدى الخواص مع مواصلة دعم المؤلفين قدر الإمكان سواء عن طريق التصفيف وتصميم الغلاف والإعفاء من الضريبة لأننا نطبع للكاتب، وقد أصدرنا أكثر من 10 عناوين هذه السنة، بالإضافة إلى مجلة التبيين التي صدر منها العدد 37. * ما هي الملتقيات التي ستنظمها الجاحظية هذه السنة؟ - نخصص ملتقى الطاهر وطار لهذه السنة لقضية اللغة في الجزائر والتدهور الحاصل في هذا المستوى، بالإضافة إلى الموضوع المتخلف عن السنة الماضية والمتعلق بالأغنية العربية الملتزمة باعتبارها تمس كل المجتمع. * كلمة أخيرة؟ - لا يفوتني أن أعرب عن امتنائي وشكري لجريدة «المساء» التي رافقت الجمعية في كل نشاطاتها، وإذا كان من مجال مشترك بين الجاحظية و«المساء»، فهو بناء وترقية الإنسان الجزائري الذي هو جوهر الوجود الوطني.