بعيدا عن المقاربات الأمنية والمحاولات الرامية لإعطاء الشرعية للتدخل العسكري، حاول المشاركون في الملتقى حول منطقة الساحل الصحراوية، الذي نظم أول أمس بالجزائر العاصمة، تحليل الوضع السائد في هذا الفضاء الصحراوي الشاسع واقتراح الحلول المثلى، التي من شأنها السماح لدول المنطقة بتجاوز العراقيل التي تعيق التنمية. وصرح العقيد بركاني بشير، مدير المعهد العسكري للوثائق والتقويم والاستقبالية، خلال ندوة حول "الجزائر والبلدان المجاورة: مشاكل الحدود والقيود الأمنية حالة بلدان الساحل"، "لقد تطرقنا إلى مسألة الساحل وواقعها وآفاقها في محاولة لتحليل ما يجري فعلا في هذا الفضاء الشاسع وتصور حلول من شأنها المساهمة في تطويره". كما أضاف أن "الأمر يتعلق أيضا ببحث الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذا الوضع في الساحل والتفكير في طريقة جعل التنمية الاجتماعية والاقتصادية تساهم في ترقية أمن واستقرار المنطقة". ويتمثل الهدف المسطر من وراء تنظيم هذا اللقاء ذو الطابع العلمي والتقني المنظم من قبل المعهد العسكري للوثائق والتقويم والاستقبالية التابع لوزارة الدفاع الوطني في مباشرة "تفكير حول المسائل الوطنية والإقليمية والدولية المرتبطة بكل ما هو استراتيجي وموضوع الساعة"، كما يهدف اللقاء إلى إثراء وتعميق التفكير الأكاديمي حول مشاكل عاشها سكان المنطقة من خلال تحليل الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع من اللااستقرار. في السياق، أوضح العقيد بركاني أن اللقاء "يعكس إرادة مديرية الجيش الوطني الشعبي في بعث حركية البحث العلمي في شتى المجالات، لا سيما تلك التي تندرج ضمن صلاحيات المعهد العسكري للوثائق والتقويم والاستقبالية، وأوضح أن الأمر يتعلق بإعداد "تحليل علمي معمق ودقيق للوضع السائد في منطقة الساحل الصحراوية من خلال المكانة الاستراتيجية التي تحتلها والرهانات التي تثيرها والمشاكل التي تواجهها والدور الذي يمكن لبعض القوى العظمى أن تلعبه في المنطقة". ويرى المسؤول أن الموضوع، الذي تم اختياره "مهم للغاية بما أنه يتناول فضاء جغرافيا يشمل الساحل الصحراوي ويشكل منطقة جنوبية بين البحر المتوسط وإفريقيا الواقعة شمال الصحراء". في هذا الخصوص، أكد المشاركون على الدور الذي يمكن أن تلعبه الجزائر في هذه المنطقة، لاسيما فيما يتعلق بالمساعدة على التنمية. من جهته، سجل السيد رزاق بارة، المستشار برئاسة الجمهورية خلال الملتقى حول موضوع "منطقة الساحل والصحراء: الواقع والآفاق" تطابقا في وجهات نظر الفاعلين فيما يتعلق بالوضع في الساحل، قائلا "إنني ألاحظ يوما بعد يوم تطابقا هاما في رؤى مجموع الفاعلين فيما يخص الوضع في الساحل"، مشيرا إلى أن "موقف الجزائر المستوحى من توجيهات رئيس الجمهورية هو الذي يجري الآن تنفيذه". واعتبر السيد بارة أن هذه الرؤية يجب شرحها على أحسن وجه لشركائنا الذين يؤكدون أن الجزائر بلد محوري في كل المسائل التي تخص الساحل"، وقال في مداخلة تحت عنوان "مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء بين المقاربات شبه الإقليمية والرهانات الجيو-استراتيجية" إن موقف الجزائر يتكفل بكل جوانب الإشكالية الأمنية والإنسانية والسياسية المتعلقة بالساحل، مركزا على الأخذ بزمام قضايا الأمن المشترك والتنمية في منطقة الساحل من قبل دول الميدان. من الجانب الأكاديمي، أكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة البليدة، محمد السعيد مكي، في تدخل له على أهمية تسريع وتيرة التنمية في المناطق الجنوبية للبلاد، لاسيما في ظل المخاطر الجديدة التي ظهرت في منطقة الساحل، موضحا أنه يتعين على الجزائر استغلال وفرتها المالية لتنمية المناطق الجنوبية من خلال إطلاق مشاريع في مختلف المجالات ب "اعتبار المناطق الصحراوية كفضاء تنمية". وبعد أن أكد على ضرورة أن تلعب الجزائر دورها كقوة جهوية ودولة محورية في المنطقة، اقترح السيد مكي جعل مدينة تنمراست عاصمة جهوية، مذكرا بأنه كان قد اقترح من قبل ترقية مدينة تنمراست إلى محافظة كبرى، كما أبرز أهمية إعادة تهيئة العمران للصحراء الكبرى لجعل المنطقة أكثر جاذبية، لاسيما بالنسبة لفئة الشباب. من جانبه، أكد الأستاذ الجامعي حسين بوقارة في تدخله حول موضوع "المسألة الإثنية في منطقة الساحل: الخلفيات والأبعاد" أن الأزمة العرقية التي تعرفها دول الساحل "تكرس نظرية الدولة الفاشلة"، مذكرا -في هذا السياق- ب "الصعوبة الكبيرة" التي وجدتها بعض دول منطقة الساحل في إدماج هذه الأقليات، التي لازالت -كما قال- "مهمشة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا". من جهتهم، أكد المشاركون خلال تدخلهم في الملتقى حول موضوع "منطقة الساحل الصحراوي: واقع وآفاق" على ضرورة تحقيق تنمية اقتصادية مستديمة تمر باندماج سياسي واقتصادي وتجاري في منطقة الساحل، حيث أوضحوا أنه علاوة على المقاربة الأمنية "الضرورية لاستقرار المنطقة" فإن الجوانب الاقتصادية تساهم أيضا في "استقرار وتنمية" منطقة الساحل. في هذا الصدد، أكد الأمين العام للجنة الربط الخاصة بالطريق العابر للصحراء، السيد محمد عيادي، أنه لا يمكن أن يكون هناك اندماج سياسي دون اندماج اقتصادي وبالتالي دون مبادلات تجارية، مضيفا أن مشروع الطريق العابر للصحراء قد صمم لهذا الغرض. من جانبه، أكد السيد مرهون فرحات من جامعة الأغواط على الموارد الطبيعية التي تزخر بها منطقة الساحل، مشيرا -في هذا الصدد- إلى الطاقة الشمسية والتي تعد عنصرا هاما "لا يستهان به" في التنمية. وخلص السيد مرهون إلى أن الحلول موجودة لمكافحة الآفات، التي تهدد المنطقة، مضيفا أن الطاقة الشمسية، التي لا تنضب والماء المتوفر بباطن الأرض تعد من النقاط المحورية لتطوير مختلف القطاعات، لاسيما الصناعة والفلاحة في تلك المنطقة.