غنت مصر للجزائر أنشودة الخلود في خمسينية عيد الإستقلال، هو عنوان الليلة الختامية للمهرجان الدولي للإنشاد الذي احتضنته عاصمة الشرق الجزائري على مدار أسبوع كامل، امتزجت فيه الثقافات وتباينت الكلمات وتنافست الألحان والنغمات وصبت كلها في بوتقة واحدة أصلها الكلمة الطيبة وفرعها الفن الأصيل، فكانت بمثابة الحلم الجميل الذي التقت فيه التسابيح بسماء سيرتا وعانقت الصلوات على الرسول الكريم. فعلى كلمات “فاشهدوا” للنشيد الوطني الذي ألف كلماته الراحل مفدي زكرياء وألحان الفنان المصري محمد فوزي، افترق جمهور الطرب الاصيل في نهاية الليلة الختامية للمهرجان الدولي للإنشاد في طبعته الثالثة، حيث كان الشرف والفخر للفرقة المصرية كنوز بقيادة المايسترو صابر عبد الستار، لإحياء ليلة الختام التي استحضرت أرواح عمالقة الفن العربي على غرار فريد الأطرش، أم كلثوم، رياض السنباطي والراحلة وردة الجزائرية التي كرمها المهرجان من خلال إعادة أجمل أغانيها القديمة التي أدتها في حب الوطن على غرار “جميلة” التي لحنها رياض السنباطي والتي تقول كلماتها “كلنا جميلة” في رسالة حب من وردة لجميلة الجزائر جميلة بوحيرد، وكانت المفاجأة عندما خرجت الفرقة المصرية عن إطار الطابع الخاص بالمهرجان وهو الإنشاد لأداء أغنية يالحباب التي أدتها وردة مع الكينغ خالد. وكانت بداية الحفل بمسرح قسنطينة الذي امتلأت قاعته الكبرى عن آخرها في حدود السابعة مساء مع تساقط أولى زخات الغيث الذي جاء وكأنه يودع ضيوف قسنيطنة، بتعطيرة عبقت بأريجها أجواء القاعة، فكان الدعاء بحمد الله لتعطير تربة النبي صلوات الله عليه وسلم، ليعزف بعدها صابر عبد الفتاح على آلة القانون مقطوعة موسيقية صوفية بعنوان “تسابيح” تلاه دعاء لفنان أحمد محسن زكي بعنوان “برضاك ياجليل“ من ألحان الفنان الراحل فريد الأطرش. كما قدمت الفرقة رباعية الحلاج التي تضم مقاطع من أربع أبيات قال عنها رئيس الفرقة أنها لخصت الحياة كلها والتي أداها الشيخ أحمد عبد الفتاح البشيلي والتي تقول: “أخاطر في محبتكم بروحي وأركب بحركم إما وإما، وأسلك كل فج في هواكم وأشرب كأسكم ولو كان سما، ولا أصغي إلى من قد نهاني، ولي عن العدال صما”. لتدخل الفرقة بعد ذلك بنشيد أداه نفس الشيخ، الذي يقول في مطلعه “سيدي يارسول الله، كل القلوب إلى الحبيب تميل” مع تجاوب الجمهور بإطلاق عبارات الله، الله، ثم واصل الشيخ عبد الفتاح البشيلي بصوته القوي.. “ومعي بذلك شاهد ودليل، فأما الدليل إذا ذكرت محمدا سارت دموع العاشقين تسيل”، ليعبر الجمهور عن إعجابه بإطلاقه سلسة من التصفيقات الحارة قطعت صمت ركح المسرح. وعادت الفرقة القادمة من أرض الكنانة بالحضور إلى أجواء المولد النبوي الشريف بمصر من خلال أداء مقطوعة اسمها المولد، قبل أن تتوقف كل الآلات عن العزف تاركة المجال للناي والدبكة في تناغم منقطع النظير أثار إعجاب الحضور، ولم يتمالك القانون حتى أزاح الناي واستفرد بالدبكة لوقت قصير قبل أن يستأتر لنفسه بخشبة المسرح في عزف منفرد للمايسترو صابر عبد الفتاح الذي سمح بعدها للآلات الأخرى بمرافقته خلال بقية السهرة التي رافقها الجمهور بالتصفيق على ريتم الألحان. وتميزت الفنانة سميرة عضوة فرقة كنوز التي أدت أغنية جميلة لوردة الجزائرية، بأداء أغنية أم كلثوم بعنوان القلب يعشق كل جميل والتي تفاعل معها محبو الطرب الجميل وعشاق الفن العربي القديم.