تعرضت 7422 امرأة إلى مختلف أشكال العنف في مجتمعنا خلال الأشهر العشرة الأولى من سنة 2012، حيث يحتل العنف الجسدي الصدارة، يليه سوء المعاملة، ثم العنف الجنسي من مجموع الحالات التي سجلتها مصالح الأمن الوطني بالمناطق الحضرية، فيما سجلت مصالح الدرك الوطني ما مجموعه 2207 قضايا عنف ضد النساء خلال ذات الفترة، أغلبها في المناطق شبه الحضرية بكبريات المدن الجزائرية. شكّل موضوع مكافحة العنف ضد المرأة محور يوم دراسي، جمع إلى جانب مصالح وزارة التضامن والأسرة وقضايا المرأة مؤخرا، ممثلين عن الأمن والدرك الوطنيين والعدالة الذين قدموا أرقاما وحقائق عن هذه الظاهرة الآخذة في الاستفحال، حسبهم. ولا يقتصر العنف الممارس ضد المرأة، عموما، على شكل محدد، وإنما يتراوح بين الجسدي، المعنوي، الجنسي والقتل العمدي وزنا المحارم أيضا، كما أن معظم حالات العنف تمارس ضمن المحيط العائلي، حيث أوضح الخبراء أن العنف العائلي يشكل الخطر الأكبر الذي يهدد حياة أغلبية النساء، بل هو أحد الأسباب الرئيسية لموتهن، وهنا تشير أرقام مصالح الأمن التي أدلت بها عميدة الشرطة خيرة مسعودان خلال اليوم الدراسي، إلى تسجيل 09 حالات قتل عمدي ضد نساء خلال الفترة ما بين 01 جانفي و31 أكتوبر 2012، وهي الجرائم التي ارتكبها أزواج في حق زوجاتهم في الغالب، كما سجلت ذات المصالح 05 حالات زنا المحارم، من بين ضحاياها فتيات قصر أقل من 18 سنة. كما تشير الأرقام أيضا إلى أن الفئة العمرية ما بين 26 و35 سنة، هي الأكثر عرضة لمختلف أشكال العنف ب2148 قضية، مع الإشارة إلى تسجيل حالات عنف مورست ضد مسنات في السبعينات من أعمارهن، مما يعكس تدني الروابط الأخلاقية في مجتمعنا، بحسب المحاضرين. وبتفصيل أدق في المعلومات المعطاة، فإن معظم حالات العنف المسجلة تقع في نطاق العائلة، خلال الفترة المسائية، وتسجل غالبا في البيت ب3937 حالة، ومن الأسباب؛ هناك سوء التفاهم بتسجيل 3833 حالة، تليه دوافع عائلية مختلفة بتسجيل 3122 حالة، ثم تأتي الأسباب الجنسية بتسجيل 314 حالة، والأسباب المالية بتسجيل 153 حالة. وتذكر عميدة الشرطة في السياق، أن الجزائر العاصمة تحتل الصدارة من حيث عدد حالات العنف ضد النساء المسجلة بما يصل إلى 1278 ضحية، تليها ولاية وهران ب 644 ضحية، ثم ولاية قالمة ب258 ضحية. وتشير عميدة الشرطة في مجمل عرضها لمداخلتها، أن هذه الحالات تم إحصاؤها بعد تقدم الضحايا لإيداع شكوى أمام مصالح الأمن الوطني، «أما العدد الحقيقي، فأكيد يبقى بعيدا عن الواقع بالنظر إلى أن نسبة كبيرة من النساء لا يتقدمن للشكوى خوفا من التهميش ونظرة الإقصاء الممارسة من المحيط، خاصة أن الزوج أو الوالد أو الأخ هم المتهمون الأوائل بممارسة العنف ضد المرأة، في الوقت الذي من المفروض أنهم يشكلون عوامل حماية أساسية للمرأة»، تقول العميدة مسعودان.
المطالبة بفتح مراكز إستعجالية ضد العنف في كل ولاية في سياق متصل، نسرد قصة إحدى الأمهات الشابات لا يتعدى سنها 35 سنة من إحدى ولايات الشرق الجزائري التي تعرضت طيلة السنوات الست من زواجها للضرب المبرح من طرف زوجها، إلى أن جاء اليوم الذي استطاعت الهرب فيه من بيت الزوجية، بمساعدة أم زوجها التي لم تحتمل من جهتها ظلم ابنها لكنتها، حيث تسبب في كسر فقرات من العمود الفقري لزوجته جراء الضرب العنيف، توضح لنا الآنسة صابرينة وارد، رئيسة جمعية «نجدة نساء في شدة» لولاية الجزائر، على هامش اللقاء الإعلامي، وتواصل معلقة أن هذه المرأة وصلت إلى المركز في حالة يرثى لها، جراء العنف الذي تعرضت له على يد زوجها، وقد ساعدها المركز في رفع دعوى طلاق، والقضية في العدالة. وتشير ذات المتحدثة أن المركز يتلقى عشرات الإتصالات يوميا من مختلف أرجاء الوطن لنساء في شدة يطلبن المساعدة والتوجيه، وتوضح أن وجود أربعة مراكز استماع وتوجيه للنساء في حالة خطر لا يكفي إطلاقا بالنظر لحالات العنف المتزايدة، وتوجه نداء للسلطات المعنية قصد فتح مراكز أخرى تطلق عليها تسمية «مراكز المساعدة الإستعجالية» على الأقل في كل ولاية، للسماح بتقديم المساعدة الاستعجالية للنساء ضحايا العنف، «خاصة وأن معظم حالات العنف المسجلة ضد النساء تتم في المساء أو خلال الليل، وإذا هربت المرأة من العنف أو طُردت من بيتها، فإلى أين تتجه؟»، تتساءل صابرينة وارد، مضيفة؛ «نحن فكرنا في فتح مراكز استعجالية في كل ولاية، من شأنها تقديم الدعم والسند والمساعدة للمرأة المعنفة ومرافقتها في مساعي إيداع شكوى ضد من قام بتعنيفها، إلى جانب متابعته قضائيا، مما سيسمح بالتقليل من حدة هذه الظاهرة في مجتمعنا»، مؤكدة؛ إن «مركزنا يبذل قصارى جهوده لإقناع النساء المُعنفات بالإقرار بأنهن ضحايا العنف، وأنهن لسن وحدهن الضحايا، وذلك على خلاف ما ينصحهن المُجتمع به، أي التستر تجنبا للفضيحة». وبالعودة إلى مجمل الأرقام المقدمة بمناسبة اليوم الدراسي حول مكافحة العنف ضد المرأة، فإن النقيب شربي رزيقة من قيادة الدرك الوطني، أشارت من جهتها إلى إحصاء ما مجموعه 2207 نساء ضحية العنف في الأشهر العشرة الأولى لسنة 2012، تخص عموما قضايا الضرب والجرح العمدي، القتل، الإختطاف، الإغتصاب والتهديد. تأتي الجزائر العاصمة على رأس الولايات التي تُسجل فيها قضايا العنف هذه ب225 ضحية، تليها وهران ب187 ضحية. كما تم تسجيل مجموع هذه الحالات بالمناطق شبه الحضرية والأرياف، إقليم اختصاص الدرك الوطني، مع الإشارة إلى «أن فيه أرقام سوداء عن ضحايا العنف في الجنوب، ولكنها قضايا غير موثقة يتم حلها بين عقال المداشر والقرى، لذلك تغيب الإحصائيات بهذه المنطقة»، تشرح النقيب. من جهته، عالج القضاء 38320 قضية خلال 2010، حيث تم خلالها الحكم على أكثر من 20087 شخصا، بحسب ما كشفت عنه السيدة فوزية بن منصور، إطار بوزارة العدل خلال ذات اللقاء، وأضافت أن الإحصائيات تشير أيضا إلى أن وزارة العدل سجلت 32604 قضايا سنة 2008، تم خلالها الحكم على 25284، مقابل 35629 قضية سنة 2009، تم الحكم خلالها على 26633 شخصا، موضحة أن مصالح العدالة تتحرك كلما يتم إعلام النيابة بوقوع اعتداء ضد أي امرأة، وأنه يتم تحريك المتابعة القضائية دون إيداع دعوى. يذكر أن اللقاء الدراسي الذي انتظم مؤخرا بالجزائر العاصمة حول «مكافحة العنف ضد المرأة»، قد اختير له شعار «فلنتحد جميعا لوضع حد للعنف ضد المرأة»، وهو ذات الشعار الذي رفعته منظمة الأممالمتحدة التي تشير إلى «أن نحو 70% من نساء العالم يتعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي في مرحلة معينة من حياتهن، ويتأثر بذلك ما يصل إلى ربع النساء الحوامل، سواء في ساحات المعارك، في البيوت، الشوارع، المدارس، أماكن العمل أو في مجتمعاتهن المحلية». ولفت، في رسالة وجهها بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يصادف 25 نوفمبر، وتمت قراءتها خلال اليوم الدراسي حول العنف ضد المرأة، من طرف طالب في الإعلام والاتصال، إلا أنه في كثير من الأحيان، يفلت مرتكبو هذه الإنتهاكات من العقاب، فيما تخشى النساء والفتيات التحدث علنا عما يتعرضن له بسبب ثقافة الإفلات من العقاب. ودعا بان كي مون إلى ضرورة محاربة الشعور بالخوف والعار الذي يعد عقابا للضحايا اللائي يتعرضن بالفعل للجريمة، وأضحين يواجهن وصمة العار، بينما الجناة هم الذين ينبغي أن يشعروا بالعار وليس ضحاياهم. مؤكدا أن الأممالمتحدة تعمل على زيادة الوعي عن طريق برامج التوعية العامة، وكشف عن تخصيص خطط إنفاق 8 ملايين دولار على المبادرات المحلية في 13 بلدا؛ منها الجزائر، لمعالجة مسألة العنف بإذكاء الوعي لدى العامة والدعوة إلى سن قوانين أفضل ومساءلة الحكومات، وتحدي جذور ثقافة التمييز التي تسمح للعنف أن يتواصل، داعيا جميع الحكومات إلى الوفاء بتعهداتها، عن طريق وضع حد لجميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، مع الحث على دعم هذه الغاية المهمة.
العنف ضد المرأة يخلق أشكالا مشوهة من العلاقات الإجتماعية ومن وجهة نظر علم النفس، فإن الدكتورة المختصة في علم النفس، مسعودة خنون من جامعة منتوري بقسنطينة، كانت قد قدمت دراسة لظاهرة العنف ضد المرأة في المجتمع الجزائري، واصفة إياها بالظاهرة الغريبة التي أصبحت تتفشى بشكل سريع في المجتمع، وتعد من أخطر الظواهر السلبية التي تهدد أمن وكيان الأسرة والمجتمع على حد سواء. وأشارت إلى أن العنف ضد المرأة يرتبط ارتباطا وثيقا بظاهرة العنف عامة، حيث تعكس الجانب الإنحرافي المهدد لاستقرار المجتمع. فالعنف ضد المرأة يؤدي إلى خلق أشكال مشوهة من العلاقات الاجتماعية وأنماط السلوك المضطربة داخل الأسرة وخارجها، كما تعتبر الدكتورة ظاهرة العنف ضد المرأة، تعبيرا واضحا عن قمّة الضعف والعجز عن التواصل، مع عدم قبول لغة الحوار والإقناع. وتعتقد أنه مهما تعددت المداخل في تفسير ظاهرة العنف ضد المرأة، إلا أنه لا يمكن النظر إليها من زاوية واحدة، فالظاهرة معقدة ومتشابكة، مما يتطلب الوقوف على مختلف المتغيرات المرتبطة بها والمؤثرة فيها، إلا أن أهم عامل يكمن في تأثير أساليب التنشئة الإجتماعية على ظاهرة العنف، وخاصة العنف ضد المرأة، ومن ثم ضرورة إعادة النظر في الأساليب التربوية بما يتماشى وفق الحقوق الإنسانية لكل فرد مهما كان جنسه. ولن يتم ذلك إلا من خلال صياغة مفاهيم وأساليب تربوية تعزز مكانة كل فرد في الحياة الاجتماعية، سواء كان ذكرا أو أنثى، ونشر ثقافة السلم والأخوة والرأفة بين الأفراد حتى تساهم المرأة والرجل في بناء الحضارة الإنسانية.