عاد صراع المقاربات السياسية التي تعمل الجهات الإقليمية للترويج لها لإنهاء المأساة السورية إلى واجهة الأحداث في هذا البلد وسط تجدد الإشاعات عن وجود شرخ في أعلى هرم السلطة السورية وفقدان الجيش النظامي سيطرته على وضع أمني ما انفك يزداد تعفنا. ففي الوقت الذي تقدمت فيه إيران بمقاربة سياسية لحل توافقي في سوريا، سارعت تركيا من جهتها إلى عرض مقترح مماثل على روسيا من أجل العمل في إطاره لإيجاد نهاية لمأزق عسكري عجزت القوى المحلية والإقليمية وحتى الدولية على احتوائه عسكريا وسياسيا. وجاءت هذه المقاربات في الوقت الذي فجر فيه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع قنبلة سياسية قوية في مشهد قاتم السواد عندما أكد ألا أحد من فرقاء الحرب الأهلية السورية بإمكانه حسم الموقف العسكري لصالحه. واكتسى تصريح نائب الرئيس السوري اهتماما بالغا كونه صدر من شخصية فاعلة داخل النظام السوري كونها المرة الأولى التي يتكلم فيها الشرع بصراحة غير معهودة عن أزمة لم يسبق أن واجهها طيلة مشواره السياسي سواء طيلة عقود إدارته لدبلوماسية بلاده أو منذ أصبح نائبا للرئيس بشار الأسد. وقال الشرع في أول حديث مطول لصحيفة الأخبار اللبنانية إن القوة العسكرية لن تضع حدا للمعركة الدائرة رحاها الآن في سوريا من منطلق أنه لا الجيش النظامي بمقدوره تحقيق ذلك ولا المعارضة المسلحة قادرة هي الأخرى على تحقيق هذا الرهان الصعب، وهي القناعة التي جعلت الرقم الثاني في هرم السلطة السورية يأمل في أن يتوصل الفرقاء إلى اتفاق "تاريخي" عبر مفاوضات جادة "تحافظ على بقاء سوريا ككيان موحد وليس الدفاع عن شخص أو نظام. ولا يستبعد أن يكون لخروج الشرع الرجل المحوري في رسم السياسة الخارجية لبلاده طيلة عقود علاقة مباشرة بترتيبات سياسية يكون الفرقاء قد اقتنعوا بضرورة السير في إطارها من منطلق استحالة تمكن أحدهما من لي ذراع الآخر بقوة الحديد والنار. كما أن إعادة إيران وتركيا القوتين الإقليميتين، واحدة مؤيدة لنظام دمشق والثانية معارضة له وبطريقة متعدية إلى روسيا والولايات المتحدة لطرح مقترحاتهما لمخرج سياسي للأزمة السورية كلها تحركات تصب في اتجاه تكرس بعد أن تيقن الجميع أن الجلوس إلى الطاولة يبقى المخرج الأوحد من أجل إيجاد أرضية توافقية تحفظ ماء وجه الجانبين وضمن صفقة لا غالب ولا مغلوب فيها. يذكر أن اسم الشرع طرح بإلحاح قبل أسابيع ضمن حل شامل يضطلع خلاله بالإشراف على مرحلة انتقالية تنتهي بتنظيم انتخابات عامة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تدير مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات ديمقراطية، لكن الفكرة ما لبثت أن انهارت بعد أن أبدى ائتلاف المعارضة السورية رفضا قاطعا لكل حل يكون الأسد طرفا فيه وأكد أنه يرفض كل حوار قبل أن يرحل الرئيس. كما أن خروج فاروق الشرع عن صمته في مثل هذه المرحلة الحساسة والخطيرة يعني بطريقة ضمنية أن الرئيس الأسد اقتنع أخيرا أن حل أزمة بلاده يبقى سياسيا والأكثر من ذلك أنه لم يعد يعترض على مغادرة السلطة وأن من كان يسميهم الإرهابيين أصبحوا قوة بإمكانها تهديد كيان نظامه وتنتهي به إلى ما انتهى إليه رؤوساء عرب سابقيو عايشوا أحداثا مماثلة وانتهى بهم الأمر إما بالموت المحتوم أو السجن المفروض. وهي القناعة التي تكون قد غلبت موقف الحسم العسكري، الذي كان يؤمن به بعد أن أشار فاروق الشرع إلى وجود خلافات في أعلى هرم السلطة السورية حول كيفية تسوية الأزمة الدامية في بلاده. والمرجح أنه لولا حصول الشرع على الضوء الأخضر من الرئيس الأسد لكشف المستور فإنه ما كان ليصدر حكمه لأنه لا يعقل أن يصمت طيلة 21 شهرا دون أن يتفوه بكلمة وهو يرى قدرات بلاده تدمر والسوريين يموتون بالمئات وكأن الأمر لا يعنيه وفجأة يدلي بمثل هذا التصريح "الساخن". ويبدو وفق هذه المعطيات أن الرئيس الأسد اقتنع بضرورة استنساخ المبادرة الخليجية في اليمن على بلاده على الأقل من أجل ضمان نهاية مشرفة شبيهة بتلك التي عرفها الرئيس عبد الله صالح. وذهبت تسريبات صحيفة تركية في هذا الاتجاه عندما أكدت، أمس، أن أنقرة تقدمت بداية الشهر الجاري بمقترح إلى روسيا الحليف الاستراتيجي لنظام الأسد يقضي بتمهيد الأرضية للرئيس الأسد لمغادرة السلطة خلال الثلاثي الأول من العام القادم على أن تؤول السلطة إلى الائتلاف الوطني المعارض. ولم تنتظر طهران أكبر حليف للنظام السوري في المنطقة طويلا وقدمت هي الأخرى مبادرة من ست نقاط لوقف الاقتتال والدخول في حوار وطني بين الحكومة والمعارضة بهدف تشكيل حكومة انتقالية مهمتها الأساسية تنظيم انتخابات عامة وتأسيسية ورئاسية. وتكون السلطات الإيرانية قد اقتنعت هي الأخرى أن رحيل الرئيس الأسد لم يعد حائلا على ضوء التطورات التي عرفتها ساحة المواجهات وأكدت سيطرة الجيش السوري الحر على قواعد عسكرية استراتيجية في معادلة عسكرية ساخنة زادتها قناعة أن المحافظة على بعض مصالحها في سوريا أفضل من لا شيء إن هي واصلت دفاعها عن الأسد ونظامه.