يبقى إضراب ال8 أيام الذي نظم يوم 27 جانفي 1957 بالجزائر أحد العوامل القوية التي دفعت الشعب الجزائري إلى الالتفاف أكثر حول قضيته والتمسك بمبدإ الحرية والاستقلال من بطش الاستعمار الفرنسي، بالنظر للانتصار الكبير الذي حققه هذا الاضراب والصدى الإعلامي الذي خلفّه على الصعيدين الوطني والدولي، حسبما أجمع عليه أمس مجاهدون ومؤرخون وشخصيات عايشت الحدث. وأكد مجاهدون شاركوا في التحضير لهذا الاضراب في ندوة احتضنها منتدى جريدة ”الشعب” تحت عنوان ”إضراب الثمانية أيام، دعم قوي للثورة الجزائرية” بحضور مجاهدين وممثلين عن الاتحاد العام للتجار والحرفيين، أن هذا الاضراب التاريخي في المسيرة النضالية للجزائر في سبيل الاستقلال يعد تأييدا قويا للمطلب الوطني في دعم ونصرة ثورة الفاتح نوفمبر 1954، وذلك رغم الاختلاف والتباين الكبيرين في الرؤى المطروحة في مضمون هذا الحدث الذي أفشل في تلك الفترة كافة مخططات الإدارة الاستعمارية لاجهاض مسعى التحرر الذي حظي بمباركة أكثر من 700 ألف جزائري. وأوضح بطل معركة الجزائر المجاهد ياسف سعدي أن هذا المسعى الذي دعت إليه لجنة التنسيق والتنفيذ المنبثقة عن مؤتمر الصومام 1956 استقطب مختلف شرائح المجتمع من رجال وأطفال وحتى النساء اللائي كافحن إلى جانب الرجال. وقال المجاهد ياسف سعدي في هذا الإطار إن التفكير في تنظيم إضراب لمدة ثمانية أيام على مستوى الجزائر العاصمة كان ثمرة اتصالات عديدة مع أبرز قادة الثورة بمنطقة العاصمة كالعربي بن مهيدي وعمر أوعمران وعبان رمضان .. بغض النظر عن التباين الكبير في الرؤى والقناعات من جدوى هذا الخيار، الذي لاقى عدم توافق كبير لاسيما فيما يتعلق بالمدة الزمنية المتمثلة في 8 أيام بالنظر لانعكاس ذلك سلبا على الحياة العامة للمواطنين. وركز بطل معركة الجزائر في مداخلته على الجهود الجبارة للراحل عبان رمضان باعتباره صاحب مشروع هذا الاضراب خاصة مساعيه الحثيثة للتعبئة الشعبية التي كللت باقناع كل من سعد دحلب وبن يوسف بن خدة بالمشاركة في التحضير للعملية بالعاصمة. وفي إطار سرده لوقائع وحيثيات الاضراب، اعتبر المتدخل أن اختيار منطقة العاصمة لتكثيف العمل الفدائي والسياسي يعود لخصوصيتها وكونها مكانا استراتيجيا وحساسا لتنفيذ مختلف العمليات الفدائية ضد مراكز الشرطة الفرنسية وتجمعات القوات العسكرية. ومن جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الأستاذ، عامر رخيلة، أن الهدف الأساسي من وراء تنظيم إضراب 27 جانفي 1957 كان يكمن في كيفية إسماع صوت القضية الجزائرية بالمحافل الدولية لكسب مزيد من التأييد الدولي، مذكرا بردود أفعال السلطات الاستعمارية التي أجبرت مختلف العمال وتجار المحلات على مزاولة نشاطهم مستغلة في ذلك الدعاية المعرضة ومحاولتها تشويه صورة جبهة التحرير الوطني في ذهن المواطنين بهدف كسر الاضراب. وبدورهم، أبرز ممثلو الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين خلال الندوة المشاركة الفعالة والقوية لهذا التنظيم النقابي من خلال مكانته الهامة في محور هذا الاضراب لكون هذا الأخير له علاقة مباشرة بالتجار والحرفيين. كما كان التركيز على الدور المحوري لاتحاد التجار في المشاركة في تنظيم الاضراب وتأطيره والاستجابة لنداء جبهة التحرير الوطني لكون هذا التنظيم من السباقين الذين وافقوا لشل كافة النشاطات التجارية والصناعية بالجزائر العاصمة. وللإشارة، تندرج هذه الندوة في إطار إحياء الذكرى ال56 لاضراب 27 جانفي 1957 ضمن الاحتفالات المخلدة لخمسينية الاستقلال والشباب.