جاء في الأنباء أن مكتبة ”تمبوكتو” التراثية في مالي نالت منها النيران، وأن الفاعلين هم الذين كانوا يسيطرون على المدينة، أي الإرهابيون الذين يدعون وصلا بالإسلام. ومن المعروف لدى الخاص والعام أن تلك المكتبة تنطوي على الآلاف من المخطوطات ومن عيون ما وضعه المفكرون المسلمون والعرب بصورة عامة، ومن ثم، فهي كنز لا يقدر بثمن. ولقد تساءلت عن الفاعلين الحقيقيين: لم، يا ترى، لم يعمدوا قبل ذلك إلى إحراق تلك المكتبة قبل الحضور العسكري الفرنسي مع أنهم كانوا يسيطرون على المدينة ويتحكمون في مصائرها؟ أتراهم عجزوا عن ذلك، ثم أقدموا على تلك الفعلة الشنعاء بعد أن ضاقت السبل دونهم؟ أنا لا أبرىء ساحتهم ماداموا قد لجأوا إلى القوة لفرض وجهتهم السياسية، ولكن، في مقابل ذلك، لا أعتقد أن الفاعلين الحقيقيين لهم صلة بالإسلام وبالتراث وبالمخطوطات كلية. فلقد رأينا وشاهدنا بأم أعيننا ما فعلوه في ”إن أميناس” يوم أرادوا إقحام الجزائر في معركة لا ناقة لها فيها ولا جمل. ولكن، ينبغي مع ذلك تبرئة الإسلام والمسلمين من مثل هذه الجريمة الشنعاء التي تنال من العلم ومن حرمته، وتنال من التاريخ الإسلامي وحرمته أيضا. قرأنا في كتب التاريخ عن أفاعيل القائد التتري ”هولاكو” يوم هجم على بغداد وكيف عاث فيها فسادا وألقى بمخطوطاتها وكنوزها العلمية في نهر دجلة حتى ”أشكل” هذا النهر، أي، تغير لونه بفعل الحبر الذي اندلق فيه. وقبل ذلك، قرأنا عن الاتهامات التي وجهت لسيدنا عمر (ض) من أنه هو الذي أمر بإحراق مكتبة الإسكندرية العريقة حين وجه جيوش الفتح إلى مصر. كيف يفعل إنسان في مستواه الديني والسياسي وهو الذي تربى على يدي سيدنا رسول الله (ص)، وعرف عنه أنه لا يجوز الاعتداء لا على كنيسة ولا على بيعة، ولا يجوز إحراق شجرة أو النيل من امرأة أو صبي أو عجوز؟ فلم هذه الاتهامات الباطلة التي يصدقها البعض؟ ورأينا كيف انتهب الغربيون، والأمريكيون في مقدمتهم، متاحف بغداد، ووجهوا ضربة قاصمة لتاريخ الحضارة والتحضر، حين استولوا على العديد من الكنوز الأثرية التي زخرت بها تلك المتاحف، وحين ألقوا قنابلهم على أماكن العبادة والمدن الأثرية الأخرى؟ وقرأنا أيضا نتفا عن المخطوطات التي استولى عليها الاستعمار الغربي حين قام بهجمته على العالم العربي الإسلامي، واطلعنا على بعض قوائم المخطوطات التي تزخر بها مكتبات الإسكوريال في مدريد والفاتيكان وباريس وهيدلبرغ وإيرلندا ومتحف المتروبوليتان في أمريكا. هل، يا تراها، توجد في مأمن هناك بدلا من أماكنها الأصلية التي انتهبت منها؟ وشهدنا صورا عن الدمار الذي ألحقه هتلر بمدينة ستالينغراد في العهد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية، وكيف أحرق الصرب مكتبات البوسنة، ونالوا من جوامعها ومن جسر ”موستار” العتيق، ذلك الذي كان يتغنى به شعراء الدنيا في كل موسم. أعتقد أنه ينبغي تمييز المجرم الحقيقي في هذا الزمن. إن الذين ينالون من أرواح البشر بطائراتهم وبقنابلهم العنقودية والفوسفورية، وبمدافعهم وطائراتهم العمودية لا يقلون إجراما عن أولئك الذين حاولوا أن يسيطروا على الحكم باسم الإسلام في شمال مالي وفي غيره من أنحاء الدنيا الأخرى. أما أن توجه أصابع الاتهام إلى الدين الإسلامي نفسه فذلك ما هو غير مقبول أصلا. فدعونا، بربكم، من مثل هذه المهازل التي يندى لها جبين كل عاقل في هذه الدنيا!