تلمسان التي تحتضن الثقافة الإسلامية لسنة 2011 باعتبارها من الحواضر الكبرى في عالمنا العربي والإسلامي، إضافة إلى ذلك أن لها بصمات علمية كبيرة وآثارا تاريخية مشهودا لها في العالم الإسلامي، هذه المدينة العريقة التي كانت قطبا من أقطاب عواصم المغرب العربي، بل سيّدة عواصمه بدون منازع سبق ولذلك كانت عاصمة ملك الزيانيين وغيرهم من الممالك واستقبلت مصحف سيدنا عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فكيف وصل هذا المصحف الذي كتبه الخليفة الثالث بيده إلى تلمسان؟ الفتنة الكبرى التي حدثت في عهد الخليفة الثالث ذي النورين سيدنا عثمان رضي الله عنه وأدت إلى استشهاده حيث تمّ قتله في داره وهو يقرأ في المصحف الشريف من قبل المعارضين لتسلّط الولاة والحكام في الأقاليم الإسلامية إلاّ أن هذه الثورة كان فيها المندرسون والذين لم يتمكن الإسلام في قلوبهم والمتمظهرون بالإسلام خصوصا وأن خارطة العالم الإسلامي توسعت في عهد الخليفة الثالث. قتل سيدنا عثمان بن عفان ولكنه ترك إنجازا عظيما في الفتوحات الإسلامية ثم الإنجاز الأعظم هو جمعه للقرآن الكريم على مصحف واحد وإحراق وإتلاف المصاحف الأخرى بإجماع الصحابة رضوان الله عليهم وهو المصحف الذي نتداوله اليوم في جميع أنحاء العالم الإسلامي مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه. بعد مقتل عثمان وانتقال عاصمة الدولة الإسلامية إلى الكوفة في عهد الخليفة الرابع سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وخروج الشام عن مبايعته والتي كان واليها حين ذاك معاوية بن أبي سفيان، ونشوب معارك بين الخليفة علي ووالي الشام انتهت في معركة صفين ثم انتهت بمقتل واغتيال سيدنا علي كرم الله وجهه وتحوّلت الخلافة إلى دمشق رغم استمرار الفتنة واستمرار الخوارج في محاربة الأموميين ثم استمر الصراع إلى غاية سقوط الدولة الأموية على يد العباسيين وفرار الأمويين إلى الأقاليم الإسلامية ومنهم صقر قريش الذي فر إلى المغرب العربي ومنه إلى الأندلس حيث بقيت الدولة الأموية مستقلة تنافس الدولة العباسية ببغداد. كيف وصل مصحف عثمان إلى تلمسان؟ قصة أو رحلة المصحف من الشام إلى الأندلس إلى تلمسان دراسة وبحث وتحقيق قام به الأستاذ المرحوم محمود بوعياد في كتابه »تاريخ بني زيان ملوك تلمسان«، حيث تسنى للدكتور محمود بوعياد تتبع رحلة هذا المصحف الشريف إلى أن وصل تلمسان فما هي القصة الكاملة لهذا المصحف. ''كان من جملة الذخائر التي ظفر بها »يغمراسن بن زيان« من »سعيد عثمان بن يعقوب« ''العقد اليتيم'' و»غدار زمرد« و»مصحف عثمان بن عفان« رضي الله عنه الذي خطه بيمينه وكان بين يديه حين استشهد، وقطر دمه منه على قوله تعالى: »فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم« وعلى قوله: »فعقروا الناقة«''. ويضيف الدكتور محمود أبو عياد في سرده لقصة مصحف سيدنا عثمان: وكان هذا »المصحف« صار بعد موت عثمان رضي الله عنه، إلى بني أمية أيام تملكهم، فلما قام عليهم بنو العباس واستولوا على الملك، وقتلوهم في كل موضع، فر عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الى المغرب، فدخل الأندلس واستولى عليها، فكانت شقيقته أم الأصبع تبعث بذخائر قومه من الشام شيئا إثر شيء، فكان من جملة ما بعثت به إليه »المصحف العثماني« فأوقفه عبد الرحمن بجامع قرطبة. وكان الإمام يقرأ فيه بعد صلاة الصبح في كل يوم إلى أن استولى عبد المومن بن علي على الأندلس، فنقله الى حضرة ملكه مراكش، فأزال غشاءه الذي كان جلدا، وغشاه بلوحين عليهما صفائح الذهب، نظم في مواضع منها لآلئ نفيسة، وأحجار ياقوت وزمرّد... واقتفى أثره في ذلك بنوه..وكانوا يحضرونه في مجالسهم في ليالي رمضان، يباشرون القراءة فيه... في سفرهم أول ما يتقدم بين يدي الأمير راية عظيمة بيضاء على أطول ما يكون من العصي، ويتلوها »المصحف« الكريم محمولا على أضخم بختي، يوجد مجعولا في قبة حرير مربعة... ويليها الأمير في صدر الجيش والعساكر... فلما كانت وقعة السعيد انتهب »المصحف« الكريم في جملة ما انتهب، فأخذ ما عليه من الحيلية الموجبة لغنى الدهر، وطرح عاريا فوجده رجل، ودخل تلمسان، وهو غير عالم بمقداره، وعرضه للبيع، فكان السمسار ينادي عليه بسوق بيع الكتب بسبعة عشر درهما، فرآه بعض من يعرفه، فأسرع إلى أمير المسلمين يغمراسن، وعرفه به فبادر بالأمر بأخذه، وأمر بصونه، والاحتياط عليه والقيام بحقه..''.هذه قصة المصحف العثماني حسبما اتبعها الدكتور محمود بوعياد ودوّنها في كتابه »تاريخ بني زيان ملوك تلمسان«، وقد سعى الملوك والأمراء في إحراز هذا المصحف والظفر به إلاّ أنهم لم يبلغوا هذه الغاية.. وتختفي آثار هذا المصحف الشريف، وإلى أي بيت انتقل، تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة 2011 وهي جوهرة المغرب العربي وسيدة حواضره ودار ملك الزيانيين وحاضنة العباد والصالحين والعلماء، فيكفيها فخرا أنها احتضنت مصحف عثمان رضي الله عنه ومن يدري لعلّ هذا المصحف ما يزال إلى يومنا هذا بعاصمة الثقافة الإسلامية تلمسان وما أكثر العائلات الجزائرية التي تمتلك نفائس الكتب والمخطوطات والخزائن التي لم تفتح إلى يومنا هذا.