«الضحية» قصة بوليسية تتطرق لاختطاف الأطفال والمتاجرة بأعضائهم مخرج متمكّن وكاتب سيناريو بارع في تجسيد الأحداث واستباقها، وصاحب فكر يقظ، مطلع عما يجري في عمق المجتمع والوطن، سبق وأن طرح مشكل المافيا المنظَّمة عبر سيناريو «العنكبوت»، وها هو يتطرّق لظاهرة اختطاف الأطفال طرحا وتحليلا من خلال قصّة اجتماعية بوليسية تحمل عنوان «الضحية».عن حيثيات وأحداث هذه القصة كانت لنا مع المخرج التلفزيوني مصطفى حجاج هذه الوقفة.
المساء: عالجت من خلال مسلسل «العنكبوت» قضية الجريمة المنظَّمة، وتطرقت لما حدث في مالي قبل أن يحدث، فكيف راودك هذا الهاجس قبل وقوعه؟ وكيف تشجّعت لتجسيد موضوع متشعّب كهذا؟ المخرج مصطفى حجاج: العالم في تطور وتنافس، وما أكثر المتربصين بالجزائر واستقرارها وأمنها؛ حسدا وطمعا في استغلال وامتلاك خيراتها! ومافيا الجريمة المنظمة تنسج خيوطها كالعنكبوت في كلّ مكان، وتتصيّد الأماكن الآمنة المزدهرة لتتحكّم في زمام الأمور دون وجه حق وبأساليب خطرة ملتوية، لذا آن الأوان لفضحها عبر أعمال راقية ومن خلال حبكة درامية واقعية، تجسّد الأحداث كما هي وتذهب إلى ما وراء الأحداث أو إلى ما خفي، والذي يكون عادة أعظم من الحدث نفسه.
«العنكبوت» سيناريو ضخم لم ير النور بعد، ليليه سيناريو آخر لا يقل أهمية عنه، يتطرّق لظاهرة دخيلة على مجتمعنا الجزائري، ألا وهي ظاهرة اختطاف الأطفال والتنكيل بالبراءة، والمعنون ب «الضحية»، فما الذي دفعك إلى كتابة قصة حول الاختطاف قبل انتشار الظاهرة؟ وهل لخيوط العنكبوت يد في الموضوع؟ أنا شديد التنبؤ بالأشياء وأقرأها قبل وقوعها بزمن، وكلّما تنبأت كتبت بصدق وبعمق، وهذا ما يحدث لي فعلا. والجريمة المنظمة والمافيا التي تنسج خيوطها كالعنكبوت قطعا دورا وعلاقة مباشرة في انتشار الظواهر الدخيلة على مجتمعنا، ومنها ظاهرة اختطاف الأطفال واغتصابهم وتعذيبهم والتنكيل بهم واستغلالهم لأغراض مادية وتهويل الأولياء والمجتمع والوطن ككلّ!
هل لنا أن نطّلع على محتوى قصة «الضحية»؟ هي قصة اجتماعية بوليسية، تتطرق لقضية اختطاف الأطفال والمتاجرة بأعضائهم من طرف عصابة لها صلة بعصابات خطيرة خارج الوطن، يترأس هذه العصابة مراد ونبيل، هذا الأخير رجل في العقد الرابع مطلّق وله طفل اسمه «الياس»، يُختطف لاستئصال أعضائه والمتاجرة بها. القصة، على كل حال، متشعّبة وتجرّ وراءها مواضيع كثيرة ذات صلة بالظاهرة المنتشرة اليوم وتكشف خبايا مستترة.
طرحُك لمثل هذه المواضيع يوحي بشجاعة أدبية ظاهرة وبقوة شخصية نادرا ما نستلهم وجودها عبرالسيناريوهات المعتاد كتابتها؛ فهل هو النمط الحديث الذي لا بدّ منه للارتقاء بالدراما الجزائرية بغرض انتشارها وتسويقها؟ أكيد، فأنا جريئ في طرحي للقضايا الاجتماعية الهامة، وأرى أنّه كلّما ازدادت جرأة الطرح كلما ازدادت الإثارة ومعها التشويق، والنتيجة مشاهدة أكثر وانجذاب أكبر، فنحن لسنا أقل مستوى من الدول الأخرى، ولنا من الإمكانات الفكرية والطاقات الفنية ما يكفي ويزيد لتجسيد أَحبك المواقف الدرامية. ما ينقصنا فقط هو التشجيع والدعم والثقة في قدراتنا من طرف المسؤولين عن الفن والثقافة في بلادنا.
أن تكون كاتب السيناريو والمخرج في آن واحد، هل هذا أمر ممتع وميسّر للعمل أكثر؟ ربّما كان التعامل مع العمل أيسر؛ لأنّك تكون أكثر تعمّقا واحتكاكا بحيثيات القصة وأبعادها وكذا أبطالها وكيفية تصويرها، لكن هذا لا يعني أنّ التعامل مع سيناريوهات الآخرين يكون أكثر عسرا، فعندما يكون السيناريست والمخرج متفاهمين على المبدأ وكيفية الإنجاز فلا مشكلة تُطرح وإن كانت نظرة المخرج أحيانا تختلف عن نظرة السيناريست في مواقف معيّنة، تتطلّب التعديل أو التغيير الطفيف أثناء التصوير، وهي كلّها أمور تُضبط بالتفاهم والتشاور والإقناع...
أعمال هامة مجسَّدة كتابيا ومرحَّب بها إنتاجيا ومعطَّلة عمليا، فما أسباب التأجيل؟ والله، أنا أسعى بكل طاقتي لأن ترى هذه الأعمال، التي سلّمتها للجهات المعنية، النور قريبا، فالإرادة موجودة عندنا، وتبقى إرادة المسؤولين عن الثقافة والتمويل؛ فنحن ننتظر آملين أن تسوَّى الأمور قريبا لكي ننجز أعمالا ستثري قطعا مجال الدراما الجزائرية وتضيف لها جديدا لم تعهده بعد، ورغم العراقيل أملنا في تحقيق ذلك كبير... حاورته: نادية شنيوني