كان عمره آنذاك 13 سنة، ولكن ذاكرته لاتزال تحتفظ بكل التفاصيل الصغيرة حول مجازر الثامن ماي وبشاعتها، ولأننا بصدد استرجاع هذه الذكرى الأليمة أبى الحاج صنصال عميد الحركة الكشفية بجمعية قدماء الكشافة الإسلامية، إلا أن يستذكر معنا هذه الذكرى في هذه الأسطر المختصرة. في بداية حديثه عن مجازر 8 ماي 45، في مساهمة أرسلتها اللجنة الوطنية للإعلام والعلاقات العامة لجمعية قدماء الكشافة الإسلامية، ل "المساء"، وصف الحاج صنصال هذه الحقبة التاريخية بالقيامة، حيث قال: "إن العدو الفرنسي ضرب بيد من حديد، وأجهز على صدور عارية وأرواح طاهرة خرجت من أجل الاحتفال باليوم الموعود، انتفضت لتطالب بحريتها المسلوبة، فكانت النتيجة مجزرة ومذبحة راح ضحيتها أكثر من 45000 شهيد ومئات آلاف الجرحى". صغر سن عمي شريف صنصال المجاهد والكشفي لم يمنعه من أن يصوّر بعينيه، وأن يحفر في ذاكرته أحداثاً ثقلت حتى على الرجال الكبار. سعد كثيرا ونحن نحاوره عن تاريخ عتيد رغم أن المناسبة تبعث على الحزن والأسى لما جرى، ولكنه قال: "التاريخ أمانة، ويجب أن يصل إلى الشباب الغيور على وطنه بكل أمانة دون تزييف أو تحريف". يستعيد بعض ذكرياته فيقول: "كنت أبيع الطوابع والبطاقات والجريدة التي كان يُصدرها حزب الشعب، الحزب الذي كان يرأسه في ذلك الوقت مصالي الحاج. وفي يوم الثامن ماي الذي سمّيناه بعام الشّر والجوع والقحط؛ من شدة وقسوة الظروف الحياتية الصعبة التي كنا نعيشها، أقبل الشعب الجزائري على المسيرة الشعبية بروح فيها الكثير من الأمل، كانت سلمية، والجماهير خرجت لتطالب بحقها الضائع، لكن الاستعمار الفرنسي رد عليها بالأسلحة المتنوعة. وأذكر أن هذه الحملة عرفت مشاركة متوحشة من الشرطة والعسكر والدرك، ومن البداية كان الحقد والغل باديا على قيادة الاحتلال الفرنسي الذي كانت نيّته مبيَّتة منذ البداية". ووصف الحاج شريف المشهد آنذاك بأنه "تَسارع بشكل رهيب جعلنا عاجزين عن تقييم الوضع"، يقول: "حيث شهدنا اشتعال النار في كل الأرجاء بعد لحظات فقط من انطلاق المسيرة الجماهيرية". وأردف: "كنت متواجدا في ذلك الوقت بإحدى ضواحي مليانة، غير أن ما بقي راسخا في ذاكرتي أن ما حدث من مجازر كان مدبَّرا، بدليل أن رصاصاتهم التي كانت تخرج من بنادقهم لم تكن تشفي غليل حقدهم ضد الشعب الجزائري". لم يفوّت محدثنا الفرصة ليحكي لنا عن دور الكشافة الإسلامية في تلك الفترة التاريخية الهامة، حيث أكد أن معظم قيادات الثورة الجزائرية تلقّوا تكوينهم في الحركة الكشفية مثل ديدوش مراد والعربي بن مهيدي ومحمد بلوزداد وعمر لاغا وحسين آيت احمد، كما تخرّج منها إطارات هامة في الدولة، على غرار الوزير محمد بن تومي، رحمه الله، والوزير لامين بشيشي.