خصص أمس ”المنبر الحر” بالمجلس الشعبي الوطني عدده الثاني لموضوع ”التوارق، تاريخ وثقافة”، تمّ فيه استعراض تاريخ جنوبنا الكبير وبطولات أبنائه من أجل تحرير الجزائر، إضافة إلى استعراض تراث التوارق الذين بلغوا أوجّ التحضّر. افتتحت فعاليات هذه الندوة، السيدة النائب دليلة فورار، التي رحبت بالضيوف خاصة من أبناء التوارق، مخاطبة إياهم بالقول”أنتم من عمق جزائرنا”. لينشط اللقاء بعد ذلك كوكبة من الأسماء، وهي الشاعرة لالة رزيقة غنية من تمنراست ولحسن مرموري الباحث من منطقة إليزي، الذي يشغل حاليا منصب مدير الثقافة بولاية الوادي، إضافة إلى الدكتور بكلي عبد الوهاب من غرداية، وهو باحث ووزير سابق، والدكتور محمد ڤمامة المؤرخ والطبيب ابن تمنراست، وأدار اللقاء التائب المهدي الحسني القاسمي، الذي ثمّن اللقاء واعتبره تواصلا بنّاء، كما أشاد بالتوارق الذين جمعوا كل المكرومات والذين عرفت عنهم الشهامة والروح الوطنية والتمسّك بالوطن ووحدة ترابه. أوّل المتدخلين، كان الدكتور لحسن مرموري، الذي أكّد على أنّ أغلب الدراسات التي تناولت أقاصي جنوبنا الكبير كانت أوروبية (فرنسية بشكل خاص) وبالتالي فإن مناهج البحث والإسقاطات كانت كلها غربية، فمثلا الاتحاد الذي كان بين آزر والأهڤار، سمي بالكونفدرالية أو ما يعرف محليا ب«طبل” وهو نظام سياسي خاص بالمنطقة قبل القرن العاشر الميلادي، حينها كان ما يعرف بالخيمة البيضاء في الشمال والخيمة السوداء في الجنوب التي تمتد إلى مالي والنيجر. دخل الإسلام في القرن العاشر ميلادي إلى أقاصي الصحراء، فتقبّله أهلها برحابة وامتثلوا لتعاليمه السمحاء حتى في المجال السياسي (الحكم). وفي عام 1660م قامت مجموعة بثورة استولت فيها على الحكم وكانت موالية لقبيلة ايواررن، لينتهي الحكم السياسي الذي جمع لقرون بين الأهقار وآزر، وتُشكل بعدها نظام التحالفات القبلية انعكست آثاره على النظام الاجتماعي، وأصبح للحاكم معاونون ومستشارون هم شيوخ القبائل. انتقلت السلطة إلى المرأة بعد القرن 16م أي منذ عهد تنهينان، ليصبح المجتمع الترڤي مجتمعا أموميا، لتتحول الملكية إلى المرأة ولتتجسد مقولة ”أن المرأة الترڤية تملك والرجل يسيّر”. الدكتور محمد ڤمامة قدّم مداخلة عن ”المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي في أقصى الجنوب الجزائري بين 1881 و1917”. من ضمن المعارك التي توقف عندها هذا المؤرخ، معركة بئر العزمة بأهنت سنة 1881 وهي أوّل معركة ضد فرنسا بالأهڤار، ثم معركة حاسي اتفل سنة 1987 وهي أول معركة هجومية انطلقت من المنيعة وأسر أبطالها وسجنوا بسجن سركاجي بالعاصمة، وقد عرض الباحث رسائلهم التي تحوي بعض مجريات المعركة كانت قد نشرت سنة 1889. احتلت عين صالح سنة 1889 وهي العاصمة التجارية للتوارق، مما أشعل المقاومة أكثر، لتتوالى المعارك منها هجوم سنة 1900 ثم معركة ثنسيا سنة 1902، ثم معركة سنة 1907 ضد الحصون والأبراج الفرنسية، لتستمر الثورات حتى 1917عندما أخذت العائلات الترقية رهائن ودروعا بشرية. الدكتور والوزير السابق عبد الوهاب دكلي، تحدث عن حياته بجانت عندما عين رئيس بلديتها سنة 1975، واسترسل في الحديث عن محل أطماع القوى الاستعمارية وكيف كانت هذه المنطقة محل أطماع القوى الاستعمارية خاصة فرنسا، فهي منطقة غنية بالثروات ومن يملكها سيملك إفريقيا . الجزائر كانت حريصة -كما أكّد المتدخّل - على هذه القطعة من ترابها الوطني، لذلك لم تساوم عليها وعطلت عبر سنة ونصف مفاوضات إيفيان كي لا تسلمها لفرنسا. تغنىّ المحاضر بالتوارق وردّد بعض أهازيجهم منها ”أن الترقي ابن الترقية الليل والصحراء ليّ”. التوارق، كما أكّد المحاضر كانوا دوما ملتزمين بانتمائهم للجزائر وفخورين بإسلامهم، لذلك رأوا في الأجنبي (الكافر) المغتصب لأرضهم أمّا إذا كان مسالما فعلى الرحب. وعاتب المحاضر بعض الجزائريين الذين يهرولون في صحرائها أو جبالها أو سهوبها، ليتحدّث عن تجريته مع منطقة ” أسْكْرَام”، (سمّتها فرنسا أسكرام) وهي منطقة خلابة ومخفية اكتشفها الرحالة لأغراض جاسوسية واستعمارية. من جهته، أكد الأستاذ عز الدين ميهوبي رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، عن تعلّقه بهذه المنطقة التي زارها مرارا والتي تزحم مفاتنها في روايته ”اعترافات أسكرام”، كما عبّر عن إعجابه بتراثها غير المادي خاصة بتمنراست، مستحضرا تراث الشاعرة والفيلسوفة داسين (بداية القرن ال 20) الذي أطلق اسمها على مهرجان الأغنية الأمازيغية، وقد دعا بالمناسبة إلى إعادة بعث هذا التراث الإنساني الزاخر. تمنى ميهوبي أن تصبح صحراؤنا كمدن الخليج مزدحمة بناطحات السحاب والطرق، وهو ما عبّر عنه في روايته. وقد اختتم المنبر بقراءات شعرية ترقية أمضتها شاعرة رقيقة من الأهڤار هي لالة رزيقة غنية.