اختارت نجاح بو الهوشات، دكتورة في علم الاجتماع من جامعة خنشلة، أن تشارك في الملتقى الذي احتضنته جامعة الجزائر «2» مؤخرا، حول واقع التحولات الاجتماعية وانعكاساتها النفسية على الشباب الجزائري، بدراسة ميدانية تحت عنوان؛ «اتجاهات الشباب الجامعي نحو الزواج عبر الإنترنت»، على اعتبار أن زواج «النات» من أهم التغيرات التي يعيشها شباب اليوم ويمارسها. شد إقبال الشباب الكبير على مختلف التكنولوجيات الحديثة، وتحديدا الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، اهتمام الدكتورة نجاح التي ارتأت البحث عن سر هذا التوافد، واعتباره علامة من علامات التحولات التي تعرفها المجتمعات، ويتأثر بها الشباب عموما. ولأن الزواج من اهتمامات الشباب، وجهت دراستها لبحث واقع الزواج عبر «النات» الذي أضحى يتيح للطرفين فضاء واسعا وحرية أكبر للتعارف، بعيدا عن القيود التي يفرضها الواقع الاجتماعي، حيث قالت في حديثها ل»المساء»: «أعتقد أن لجوء الشباب إلى الإنترنت بغية التعارف والزواج يُفَسَّر على أنه هروب من الواقع، ورفض لمختلف العوائق التي يفرضها الزواج التقليدي الذي يحول في كثير من الأحيان دون تمكين الشاب والشابة من التعارف والتواصل، وبالتالي الارتباط. اختارت محدثتنا مدينة قسنطينة لإجراء المعاينة الميدانية، حيث وزعت مجموعة استمارات تشمل بعض الأسئلة المتعلقة بهذا النوع من الزواج، على طلبة السنة الثالثة ليسانس، غير أن النتائج المتوصل إليها فاجأت الدكتورة نجاح التي قالت: «تبين لي من خلال نتائج الدراسة، أن الشباب على دراية واطلاع كبيرين بالزواج عبر الإنترنت، لاسيما أن المواقع التي تروج لمثل هذه الأمور أصبحت كثيرة، غير أن الأغلبية عارضت هذا النوع من الارتباط، مبررة ذلك بوجوب عدم المساس بالأعراف التي تحيط بهذا الرباط المقدس، مقترحة في المقابل وجوب خضوع هذا الزواج الدخيل لبعض الضوابط، إن دعت الضرورة، بحكم أنه أصبح اليوم واقعا مفروضا ناتجا عن الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى، تضيف: «إن الدراسة الميدانية قابلة للتغيّر، وما قامت به عبارة عن جس نبض، ولا يمكن تعميمها، لأن تغيّر المنطقة بحكم اختلاف الذهنيات من مكان لآخر سيعطي نتائج مختلفة، مما يعني أن الميل إلى الزواج عبر «النات» مقبول عند بعض الشباب من دون قيود، والدليل على ذلك؛ عقود الزواج التي تمت عن طريق الشبكة العنكبوتية، ومن بينها علاقات ناجحة يعيش خلالها الطرفان حياة عادية، كغيرهم من المتزوجين بالطريقة التقليدية، إن صح التعبير». وتقول الدكتورة نجاح: ينبغي ألا ننظر إلى زواج الإنترنت نظرة متطرفة، من منطلق أنه محرم تبعا لبعض الفتاوى، وأنه ينبغي ألا يُعقد أصلا، كوننا ننتمي إلى مجتمعات مسلمة لديها عاداتها وتقاليدها التي تحكمها، ومن جهة أخرى، ينبغي ألا نرفض هذا النوع من الزواج لأنه ببساطة واحد من التغيّرات التي فرضها التطور، لذا فالمجتمعات مدعوة لتقبل هذا التغيّر والتكيف معه. تظهر الحاجة إلى زواج الإنترنت في المناطق المحافظة أكثر من المدن حسب المتحدثة حيث قالت: «إن الشبان الذين يعيشون في المدن ينعمون بحرية أكبر، إذ يحظون بأماكن للالتقاء والتعارف، على غرار الحدائق العمومية، بينما نجد في المقابل أنه يصعب على الشاب أو الشابة اللذين يعيشان في منطقة نائية أو محافظة، التواصل، وعليه نجد أن الواقع الافتراضي خلق مساحة واسعة من التعارف، وبناء علاقات صداقة قد تتطور إلى زواج. رغم السلبيات العديد التي يحملها الزواج عبر الإنترنت، إلا أن هذه الظاهرة تقول محدثتنا فرضت نفسها علينا، وفي المقابل ينبغي علينا معرفة استغلال إيجابياتها وتجنب سلبياتها، على اعتبار أن كل ظاهرة تعكس وجهين؛ واحد إيجابي وآخر سلبي، ومن ثمة فنحن مدعوون لفهمها وتقبلها، حتى تنصهر في عاداتنا، لذا أعتقد أن المطلوب من مجتمعنا اليوم، وتحديدا من الأسرة التي لا تزال تنظر إلى الظاهرة على أنها خرق للعادات وتجاوز للتقاليد، إخضاعها لضوابط تجعلنا نتفهم حاجة الشباب المقبل على هذا الاختيار.