ثورات ما سمي بالربيع العربي التي وعدت بفتح المجال واسعا للديمقراطية والحرية والمشاركة وصورت للناس بأن مستقبلهم القريب سيكون جنة على الأرض،، جاءت نتائجها عكسية، حيث عمقت الإقصاء وبعثت الطائفية والعرقية والجهوية، وأكثر من ذلك، تبنت سياسة العزل السياسي الذي يعد مدخلا للاقصاء الاجتماعي والاقتصادي... وإذا كانت الأنظمة التي ثارت عليها شعوبها تمارس الإقصاء والتهميش بأساليب غير مباشرة وربما حتى التصفيات الجسدية وراء الأبواب الموصدة، فإن الثورات اليوم فتحت المجال أمام العنف والعنف المضاد الذي أضحى يمارس جهارا نهارا. ويلاحظ المتتبعون أن هذه الثورات أنتجت نفس الذهنية التي قامت لإزالتها من القاموس السياسي والاجتماعي داخل المجتمع الذي جاءت لتحرره منها. فماذا كان يجب أن يتغير من خلال هذه الثورات؟ السؤال يطرح على المنظرين لهذه الثورات لأنهم مطالبون بالاجابة عنه لأبناء شعبهم قبل الإجابة عنه لشركائهم في الجغرافيا السياسية، والقاعدة تقول أنه من السهل أن تطلق ثورة حتى وإن لم ترسم لها أهدافا، وفي هذه الحال تكون قد فتحت باب جهنم على المجتمع، كما يمكنك أن ترسم أهدافا نظرية لثورة لا تستطيع أن تسيطر عليها لأن أهداف تجار الحروب داخليا وخارجيا مختلفة ومتضاربة في كثير من الأحيان وهي في الأخير من يوجه مسار الثورات إلى ما يخدم مصالحها داخليا وخارجيا وتصبح الثورة والثوار مجرد وسيلة لتحقيق هذه الأهداف. والثورة العنيفة هي أسهل الثورات للاحتواء والتوجيه والاستغلال لأنها تفتقد لأهم عنصر وهو الثورة التي يجب أن تمس أذهان الناس ثم تجسد في الواقع بأساليب حضارية تحافظ على الإنسان أولا ومكتسباته ثانيا وإنسانيته في نهاية المطاف. فما رأيناه من ثورات الربيع العربي لم يخرج عن الحقد والحقد المضاد، والانتقام من الاقصاء بالإقصاء، فجاءت ثورات ثأرية لا ثورات من أجل إشاعة الحرية والديمقراطية.