النظام جمهوري في فرنسا، هذا يعني أن الفرنسيين يديرون شؤونهم بأنفسهم. يختارون ممثليهم ديمقراطيا وهؤلاء يشترعون القوانين. والقوانين تطبق على الجميع دون استثناء أو تمييز. فالناس متساوون. الملاحظ أنه في الانتخابات الأخيرة، أنتخب الفرنسيون لرئاسة الجمهورية، المرشح الإشتراكي وأعطوه اكثرية نيابية في البرلمان. فعلوا ذلك تعبيرا عن سخطهم على سياسة اليمين، تحت قيادة رئيس الجمهورية السابق. ولكن بعد مرور أربعة أشهر، لم يطرأ أي تغيير في المجال السياسي، وفي السياسة الخارجية على وجه الخصوص. إذن كانت الانتخابات شكليه، لا فائدة منها. بكلام آخر بدلت الانتخابات الديمقراطية الأشخاص ولم تبدل السياسة. وباستخدام المفردات العربية، يمكن القول أن الفرنسيين أسقطوا الرئيس ولكنهم لم يسقطوا النظام. البحث عن الأسباب لا يتسع له هذا الموقع. ما أود قوله هو أن الرئيس سقط في فرنسا، ولكن نظام الحكم مستمر. ذلك لم يتطلب ”ثورة” ولا ربيعا، ولا اقتضى تدخلا عسكريا خارجيا مباشرا أو غير مباشر. كما يحدث في بلاد العرب حيث يعلو الضجيج باسم الثورة، وباسم الله أحيانا، ويُقتل الناس أو يُرحّلون من مساكنهم وتهدم مؤسسات الدولة والمرافق الاقتصادية. هل يستأهل، استبدال الرئيس، برئيس آخر يسلك النهح ذاته، كل العنف الذي يعصف ببعض بلاد العرب، والدماء التي تراق والدمار الواسع ؟ من البديهي أن الإجابة هي بالنفي. إذا كان الناس يئنون من الظلم ومن سوء السياسة الاقتصادية والإنمائية، أو من غيابها التام، أو من فساد المتنفذين واستيلائهم على الملكيات العامة وعلى الدخل القومي، ذلك يستوجب تبديل النهج والسياسة والعقيدة. لا منأى في هذا السيا، عن القول بأن الدلائل تشير إلى أن نظم الحكم، والتوجهات السياسية، تستعصي كما يبدو على التغيير، سواء تلك التي تسود في الدول الغربية المتقدمة أو مثيلاتها في الدول العربية حيث السلطة بيد حكام متخلفين وطغاة، التي تفاقمت فيها الأزمات إلى حد أن اتحاد الناس الوطني ووحدة الأرض صارتا في خطر. المفارقة الغريبة في هذه المسألة، التي تبلورت وظهرت بوضوح من خلال الأحداث التي عُرّفت اعتباطا برأيي، كأنها ثورات من أجل الحرية الفردية والديمقراطية، هي أن القوى التي عطلت الديمقراطية في الغرب، حفاظا على النظام الرأسمالي الليبرالي، هي نفسها التي تتدخل في مصر وتونس، للإبقاء على نظامي الرئيسين المخلوعين. وهي التي أسقطت بالقوة بواسطة جيوشها، نظام السيد القذافي في ليبيا. ولا يخفى أن لها تواجدا عسكريا في اليمن، رغم أبعاد رئيس الجمهورية عن سدة الحكم وتلاشي ”الثورة”. وهذه القوى، والحكومة الفرنسية مشاركة فيها، تفرض في الراهن حصارا حول سوريا وتمنع بث إعلامها، وترسل المرتزقة إليها وترسم لهم الخطط وتحدد لهم المهمات، تحت إشراف رجال مخابراتها. لقد استلزمت السيطرة على إرهابي في فرنسا يحمل مسدسا، استدعاء عشرات الجنود. كم من الجنود السوريين تستلزم السيطرة على آلاف المرتزقة الذين جُهزوا باسلحة حديثة وأتخذوا من المنازل التي طردوا سكانها منها، مواقع قتالية. خليل قانصو