اللجوء لمكاتب الدراسات الأجنبية حوّل الجزائر إلى مستورد للعلوم انتقد رئيس المجلس الشعبي الوطني، السيد محمد العربي ولد خليفة، عدم إشراك الخبرة الوطنية في تصور وتنفيذ المشاريع، مشيرا إلى أن ذلك يحدث "نادرا" وأن هذه المهام "توكل لمكاتب دراسات وخبرة أجنبية من الألف إلى الياء". واعتبر أن ذلك يجعل من الجزائر مجرد مستهلك ومستورد للخبرة العلمية والتكنولوجية، مسجلا أن الوفرة المالية للجزائر "ليست دائمة ولامضمونة"، وأن الكفاءة والمهارات والحكم الراشد هي التي تنشئ الثروة وتنميها على المدى الطويل. وفي تحليله لوضع المنظومة التربوية والجامعية بالجزائر، قال السيد ولد خليفة إن مؤسسات التكوين التربوي والجامعي تواجه ببلادنا "عزلة مصطنعة عن محيطها... وهي في بعض الحالات تكاد تتحول إلى مايشبه الدير الذي يتعاقب عليه القساوسة ويكررون نفس الطقوس والمراسم". واعتبر أن ذلك راجع لسببين رئيسيين هما "قدم وعدم تلاؤم التشريعات التي تحكمها" و«الكتل البشرية التي تنهال على نفس الهياكل، وتضخم حشود التلاميذ والطلبة دون توجيه أو متابعة بيداغوجية"، إضافة إلى "انعدام وسائل التثقيف خارج المدرسة". وبالمقابل، اعترف رئيس الغرفة الأولى للبرلمان في كلمة ألقاها بمناسبة تنظيم هيئته، أمس، يوما برلمانيا حول "مخرجات التعليم والاقتصاد الوطني"، أنه لايمكن القول بأن "نظامنا التربوي والجامعي كله ضعيف ومتدن"، مشيرا إلى محاولات لتحيين النظام التربوي في المناهج والمضامين ماتزال على قيد التجريب". ولذا عبر عن اقتناعه بأنه من السابق لأوانه تقييم نظام "ليسانس - ماستر - دكتوراه"، من باب أنه يحتاج الى دورة زمنية تقدر بعشرية كاملة لتقييمه. وتحفظ على "تكرار محاولات الإصلاح في فترات زمنية قصيرة، على طريقة الحملات الموسمية" والذي يحول مؤسسات التربية والتكوين والبحث -كما قال- إلى "كوباي" أي حقل تجارب بدون منظور استراتيجي. كما تحدث ولد خليفة عن مسألة "نزيف الأمخاخ" وأرجعها إلى عدة أسباب منها "عدم توفر هياكل البحث"، "الاغراءات في الجامعات الأجنبية"، "الأعباء الروتينية والادارية بالجزائر"، "نقص الثقة في الكفاءات الوطنية"... وشدد على أن نقل العلم والتكنولوجيا بالجزائر يتطلب توفر "الآلية الضرورية للاستيعاب، والتمثل في محاضن تكون مثل خلية نحل"، مع الحرص على تكييف ماينقل مع الاحتياجات الحقيقية للمجتمع. وتحدثت رئيسة لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، السيدة أسماء بن قادة، من جانبها، عن أهم التحديات التي تمكن من تقليص المسافة بين الجامعة والمؤسسات الاقتصادية ومنها "إنشاء شراكة بين الجامعات ومراكز البحث من جهة والمؤسسات من جهة أخرى"، "توفير المحفزات للابتكار"، "وضع مخرجات التعليم والمؤسسات في بيئة المنافسة العالمية وتمكينها من التفاعل مع البيئة الخارجية" و«تقليص الهوة المعرفية بيننا وبين الدول الكبرى". وبالنسبة للأستاذ سيد علي بوكرامي المتخصص في الاقتصاد، فإن التحدي اليوم يتمثل في إيجاد الطريقة الصحيحة للانتقال من الكفاءة الفردية إلى الكفاءة الجماعية. وشدد على أهمية "الرأسمال البشري" في الاقتصاديات الراهنة والذي استبدل "الرأسمال الطبيعي" كما قال. كما أشار إلى ضرورة توفر القدرة التنافسية للنظم التعليمية، مستدلا بترتيب الجامعات في العالم "الذي أصبح واقعا لامفر منه". كما اعتبر أن هناك مقاييس عالمية أصبحت تطبق في الجامعات ومنها اللغة، وأعطى مثالا عن قرار فرنسا بتدريس الفيزياء بالانجليزية في مستوى الدكتوراه. وتطرق إلى أهمية الطبقة المتوسطة ووصفها ب«المحرك الأساسي للاقتصاد"، رغم أنها همشت في الغرب. وفي مداخلته، أكد الأستاذ إبراهيم بن عبد السلام المدير العام للمعهد الدولي للتسيير بالجزائر على ضرورة مد جسور بين الجامعات والمؤسسات لتحقيق التنمية المستدامة. وقال إن الجزائر لاتمتلك سوقا لاستقطاب الخبرات المتخرجة من الجامعات الجزائرية أو الأجنبية، بالرغم من أنه اعترف بوجود نقاط قوة في الجامعة الجزائرية تظهر في تخريجها للاطارات التي تعمل في المؤسسات الجزائرية، لكن تبقى الأخيرة تشتكي من قلة المهارات التي تحتاج إليها في عدة مجالات، واقترح الأخذ بتجارب دول أخرى لمد جسور التعاون بين الباحث والمؤسسة من بينها إنشاء أقطاب التنافسية.