نبّه رئيس المجلس الشعبي الوطني، محمد العربي ولد خليفة، إلى الانعكاسات السلبية التي تنجر عن ظاهرة هجرة الكفاءات الجزائرية إلى الخارج، وقال الدكتور ولد خليفة »إن الجزائر تمول البحث العلمي خارج ترابها ولصالح دول أخرى«، وكشف في هذا السياق أن عدد الجزائريين المؤهلين تأهيلا عاليا أو متوسطا الذين هاجروا في العقدين الأخيرين خلال ثلث القرن الأخير بلغ حوالي 40 ألف. قال رئيس المجلس الشعبي الوطني، الدكتور محمد العربي ولد خليفة، إن هناك غياب ثقة في الكفاءات الجزائرية، مشيرا إلى أن » الديباجات المنمقة التي تتصدر مخططات التنمية والتصريحات الرسمية، لا تجد لها صدى في السياسات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية«، وحسب المتحدث ففي أغلب المشاريع لا تشرك الخبرة الوطنية في التصور والتنفيذ إلا نادرا، وتوكل تلك المهام لمكاتب الدراسات والخبرة الأجنبية من الألف إلى الياء. وأفاد ولد خليفة في كلمة ألقاها خلال اليوم البرلماني الذي خصص لدراسة موضوع » مخرجات التعليم والاقتصاد الوطني« أنه من الصعب نقل الخبرة العلمية والتكنولوجية إذا اقتصرنا على استيرادها جاهزة وبقينا نحن مجرد متفرجين ومستهلكين، ولفت في حديثه إلى أن الوفرة المالية الراهنة في البلدان المصدّرة للطاقة، وفي الجزائر بوجه خاص، ليست دائمة ولا مضمونة فالكفاءة والمهارات والحكم الراشد هو الذي ينشئ الثروة وينميها على المدى الطويل. وتطرق ولد خليفة إلى إضراب الطلبة والتحاقهم بالثورة التحريرية، قائلا »مضت 57 سنة على ذلك اليوم الرمزي المشهود، وأقول الرمزي لأن الجدل حول التاريخ قائم كما هو الحال بالنسبة لخمسة جويلية 1962«، وذلك الدكتور بواقع قطاع التربية عقب الاستقلال، مستعرضا نسبة الأمية آن ذلك، والتي بلغت حسب إحصاءات الحاكم العام سنة 1960 حسبما ذكره المؤرخ أجرون، هي 87 من الأميين الذكور و93 % من الأميات النساء. ولمواجهة هذه الوضعية نبّه رئيس الغرفة السفلى إلى أن الساسة والمعنيون هموا بالتخطيط والتدبير والتيسير منذ البداية قطاع التربية على رأس قائمة الأولويات الوطنية، واستطرد ولد خليفة في كلمته »لسنا من أنصار كل شيء أبيض أو كل شيء أسود، ونعرف بحكم تجربتنا المتواضعة في القطاعين: التربية والجامعة أن المنظومة كلها تقع في صميم إشكالية التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي«، وقال إن المنظومة التربوية في الجزائر مطالبة بتصميم حاضر ومستقبل مغاير للواقع، وعلى نظامنا التربوي والجامعي أن يختار إما الاقتصار على تكوين نخبة الامتياز وإما النشر الأفقي للتعليم والتكوين العالي، يضيف الأستاذ ولد خليفة. وقياسا لما دعا إليه الدكتور ففي الخيار الأول يمكن أن تنجح بلادنا في تكوين نخبة قليلة فيما يسمى أقطاب الامتياز وسط أغلبية كبيرة من شبه الأميين، وفي الخيار الثاني تعطى الأولوية للنشر الأفقي للتعليم والتكوين العالي، وفي هذه الحالة تبتلع الأغلبية العددية القيمة النوعية وتبطل مفعولها أو تقلل من مردودها في التنمية. وتحدث ولد خليفة عن مشكلة تواجهها مؤسسات التكوين المدرسي والجامعي في بلادنا والتي حددها ب»عزلة مصطنعة عن محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي«، وشبهها في بعض الحالات ب»الدير الذي يتعاقب عليه القساوسة ويكررون نفس الطقوس والمراسيم«، مرجعا ذلك إلى قدم وعدم تلاؤم التشريعات التي تحكمها بالإضافة إلى الكتل البشرية التي تنهال على نفس الهياكل، وتضخم حشود التلاميذ والطلاب بدون توجيه أو متابعة بداغوجية، بالإضافة إلى ندرة أو على الأصح انعدام وسائل التثقيف خارج المدرسة، متقدا ما يقدم من برامج بقوله »إن ما يعرض على الشاشة هو ترجمة لما يُنتج في أوروبا وأمريكا واليابان، أما مقررات التربية المدنية والدينية فهي إمّا كلام تجريدي لا يؤهل حامل الباكالوريا لملء اٌستمارة طلب في البلدية«، غير انه استدرك قوله بأنه »لا يعني ذلك أن نظامنا التربوي والجامعي كله ضعيف ومتدني، فهناك أحيانا مواقف إيديولوجية وأخرى ترجع إلى ما يقال عن لغة التعليم وثالثة ترجع إلى معايير التصنيف والترتيب للجامعات حسب معايير انغلوسكسونية تميل إلى ما ينشر من بحوث باللغة. وكشف رئيس المجلس الشعبي الوطني عدد الجزائريين المؤهلين تأهيلا عاليا أو متوسطا الذين هاجروا في العقدين الأخيرين إلى فرنسا وكندا وبلجيكا وغيرها خلال ثلث القرن الأخير بحوالي 40 ألف، وحدد لهذا النزيف أسبابا موضوعية وأخرى مصطنعة، وذكر منها: عدم توفر هياكل البحث، أو سوء تنظيمها، والنزعة الخاطئة لتكليف المتفوقين في البحث بأعباء إدارية روتينية، وما يتعرض له الباحثون من إغراءات في الجامعات ومراكز البحث والتشغيل الأجنبية مثل أروبا وأمريكا وبلاد الوفرة المالية في الخليج . واعتبر نفس المسؤول انه من السّابق لأوانه تقييم التنظيم الذي اٌعتمده التعليم العالي في الجزائر ليسانس ماستر دكتوراه، إذ من الضّروري تقدير منتوجه من الكفاءات المتوسّطة والعالية بعد دورة زمنيّة قد تستغرق عشريّة كاملة، وانطلاقا من قناعة الدكتور ولد خليفة، فالتنمية الوطنية لا تقاس بالوفرة المالية أو باٌستيراد الخبرة مقابل تصدير المواد الأولية، فلا يوجد أي من البلاد العربية وصل في المؤشرات السابقة إلى حدود ,15 والبلاد التي تقترب من تلك النسبة، مشيرا إلى أن كان أداءها مقتصرا على نقل صناعات معينة بسبب تلويثها للبيئة أو بسبب ضعف تكاليف اليد العاملة، وهذا هو الفرق بينها وبين تلك التي تصنف في مرتبة البلاد الصاعدة في جنوب شرقي آسيا وأمريكا اللاتينية. وبالنسبة للجزائر ففي اعتقاده، فإنّ نقل العلم والتكنولوجيا لا يتمّ بطريقة آلية، فلا بدّ أن تتوفر الآلية الضرورية للاٌستيعاب والتمثل في محاضن تكون مثل خلية النحل (ويرجع قدر كبير من هذه الآلية بلا شك إلى سياسات المشرفين على منظومة التربية والتكوين والبحث)، وأن يتم تخطيط المعرفة والخبرة المنقولة في الزمان والمكان أي تطويعها للاٌحتياجات الحقيقية للمجتمع، حسب كل مرحلة من مراحل تطوره، وحسب إستراتيجية على وعي برهانات العصر وعلى المدى البعيد، (وهذه مهمة كل المؤسسات الأخرى وفي مقدمتها المؤسسة السياسية. وختم محمد العربي ولد خليفة كلمته بأنه قدم هذه الملاحظات من موقع شخص يعتبر نفسه جامعي دائم وليس سابقا، رافق مشروع إصلاح الجامعة الأول الذي بادر به المرحوم الوزير محمد بن يحي في نهاية ستينيات القرن الماضين وتابع عن قرب أو عن بعد تطوّر منظومة التربية والتكوين العالي بمزيج من العقل والعاطفة.