ألقت دول أصدقاء سوريا الداعمة لأطياف المعارضة المناوئة لنظام الرئيس بشار الأسد، بكل ثقلها من أجل تقديم السلاح، الذي ما انفكت تطالب به هذه الأخيرة في منحى سيعمّق الجرح السوري ويزيد في أمد المأساة المتأججة في هذا البلد منذ أكثر من سنتين. وأكد وزراء خارجية الدول المشاركة في الندوة في بيانهم الختامي، أنهم قرروا إرسال "مساعدات مادية وتجهيزات بشكل عاجل" للمعارضة السورية، بمبرر مواجهة عنف قوات النظام السوري، في إشارة ضمنية إلى الأسلحة التي سبق وأن طالبت بها بدعوى "الدفاع عن نفسها". واقتنعت الدول الإحدى عشرة المنضوية تحت لواء هذه المجموعة بضرورة اتخاذ هذا القرار بدعوى أنه الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى تسوية سياسية، وبقناعة أن تحقيق توازن في ميزان القوة بين الطرفين المتحاربين، سيكون أفضل وسيلة للتوصل إلى حل تفاوضي. وكشف وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل الثاني، في تصريح صحفي بطريقة ضمنية، أن القناعة المعلن عنها أمس، لم تكن سوى تحصيل حاصل "لقرارات سرية سبق لهذه الدول أن اتخذتها لمساعدة الجيش السوري الحر؛ بهدف تغيير الوضع في الميدان". وقطعت الدول الداعمة للمعارضة السورية في اجتماعها أمس بالعاصمة القطرية، بهذا القرار خطوة غير محسوبة العواقب؛ لما لها من تبعات قد تؤجج الحرب الأهلية في سوريا بدلا من إخماد نيرانها، التي دمّرت البنى التحتية لهذا لبلد وحصدت أرواح قرابة مائة ألف سوري. ورغم أن دولا مثل بريطانيا التي كانت من أكثر الداعمين لهذه الفكرة قبل أن تتراجع عنها وقالت إنها لم تتخذ قرارا نهائيا بخصوص هذه القضية وفرنسا التي أبدت مخاوفها من وقوع هذه الأسلحة بين أيدي الجهاديين السوريين، إلا أن الغلبة كانت في النهاية لصالح تلبية مطالب المعارضة المسلحة. وإلى النقيض من موقفي بريطانيا وفرنسا، فقد أعادت الولاياتالمتحدة النظر في موقفها المبدئي الرافض لمثل هذه الخطوة؛ بسبب الاحتمالات المتزايدة لوقوع هذه الأسلحة بين أيدي الجهاديين الإسلاميين، ولكن وزير خارجيتها جون كيري راح يشدد أمس على خيار دعم المعارضة السورية بأسلحة نوعية متطورة، تمكّنها من استعادة المبادرة الميدانية التي فقدتها أمام تقدم القوات النظامية. ودعت قطر، من جهتها، إلى ضرورة إزالة هذا الحاجز النفسي وتلبية طلب الجيش الحر من الأسلحة التي طالب بها مرارا؛ من أجل "الدفاع عن النفس" أمام زحف القوات النظامية المدعومة بمدافع الميدان والطائرات الحربية. وبرّر الوزير الأول القطري حمد بن جاسم آل الثاني نداءه بدعوى إرغام النظام السوري على التفاوض، وبأن أية تسوية سياسية لن تتم إلا عبر توازن على أرض المعركة حتى يقبل النظام بفكرة التفاوض. وختم في كلمة ألقاها أمام المشاركين في ندوة الدوحة، أن ذلك يستدعي منا تقديم كل أشكال الدعم وخاصة بالسلاح؛ لأنها تبقى الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى تحقيق السلم. وتقاطع الموقف القطري والأمريكي عند قناعة أن تمكين المعارضة من الأسلحة سيكون الضامن الوحيد لإنجاح أي مسعى سياسي لحل هذه الأزمة، وأبديا قناعة أن نجاح ندوة جنيف الثانية لن يُكتب له النجاح إلا عبر تجسيد هذا الخيار لإرغام نظام الرئيس بشار الأسد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وتعارض الموقف الأمريكي مع القرار المبدئي الذي عبّر عنه جون كيري لنظيره الروسي سيرغي لافروف خلال لقائهما بالعاصمة الروسية في السابع ماي الماضي، عندما اقتنعا بأن لغة السلاح أكدت فشلها، وأن الوسيلة الوحيدة لإنهاء هذه المأساة تبقى إجلاس الفرقاء إلى طاولة مفاوضات واحدة، وهي المقاربة التي ما انفكت تدافع عنها روسيا، وجعلتها تحذر من تبعات تجسيد الدعوة إلى تسليح المعارضة؛ لأن ذلك لن يزيد الجرح السوري إلا عمقا، ودماء السوريين إلا تدفّقا. والمؤكد أن موسكو تكون قد اندهشت للانقلاب الذي اعترى موقف واشنطن بشكل مفاجئ؛ من مدافع عن الحوار السياسي إلى داع إلى تغليب لغة السلاح، في مشهد مأساوي تأكد استحالة نجاحه عامين منذ اندلاع الحرب الأهلية في هذا البلد. ويمكن القول إن انقلاب واشنطن على موقفها بهذه الطريقة، سيفتح الباب واسعا لتسليح المعارضة السورية، ويجعل بريطانيا وفرنسا تعيد النظر هي الأخرى في مواقفها والانضمام إلى قائمة دول أصدقاء سوريا، المنادين، منذ مدة، بضرورة تسليح المتمردين السوريين. والواقع أن معضلة السلاح لم تعد مطروحة بالنسبة للمعارضة السورية إذا أخذنا بتصريحات منسقها العام لؤي مقداد، الذي كشف، قبل يومين، استلام الجيش السوري الحر أولى شحنات الأسلحة المتطورة في انتظار حصوله على شحنات أخرى خلال الأيام القادمة، مما يجعل ندوة الدوحة سوى مجرد غطاء سياسي لواقع تم حسمه على أرض الواقع منذ أسابيع. وجاء اللقاء لترسيم العملية ليس إلا، وأن القرارات السرية التي أكد عليها وزير الخارجية القطري، هي التي حسمت الموقف من أساسه.