استضافت الجمعية الفلسفية الجزائرية ضمن نشاطها الثقافي والفكري بالتعاون مع جريدة “صوت الأحرار”، الدكتور أمين الزاوي لمحاضرة ألقاها تحت عنوان “الكتابة في الممنوع”، حضرتها نخبة من المفكرين والمثقفين ورجال سياسة، بالإضافة إلى وسائل الإعلام، المحاضرة استعرض فيها الدكتور الزاوي المحرمات الكتابية وأسبابها في خمس عشرة فكرة دارت كلها حول الرقابة. أكدّ الدكتور أمين الزاوي في بداية محاضرته أنه يشتغل على موضوع الرقابة في الممنوع منذ عقدين من الزمن، وكتب كتابا في هذا الموضوع تناول فيه الممنوع في الكتابة العربية والإسلامية، وأنّ الموضوع يشغله لأنه كاتب بالدرجة الأولى تعرض للرقابة في عمله الروائي “صهيل الجسد”، وأضاف أن المثقف الحقيقي هو الذي يقدم نقدا للمجتمع بالكتابة، لأن من خصوصية المثقف النقد البناء وليس ذلك النقد المعارض، ولهذا - يضيف الزاوي يجب أن نفرق بين المثقف النقدي والناقد المعارض. وسجّل الزاوي خمس عشرة فكرة في موضوع الرقابة على الكتابة، حيث وصف عملية منع الكتب وحجبها عن القراء بجهنم، وجهنم الذي لا يعرفها البعض هي ذلك الجناح أو الجزء المخصص في المكتبة للكتب الممنوعة، حيث يكون مغلقا عليها لتكون ممنوعة على القراءة وعلى البحث. وجهنم الكتب، يؤكد الزاوي، وجدت في الاتحاد السوفييتي، وهو مصطلح أخذه من جانبه المعرفي، وتساءل المحاضر عن سبب غياب الفلسفة عن الواقع اليومي، ولماذا هزمت الشريعة الفلسفة؟ والسبب حسبه أنها غير موجودة في العمل اليومي، وغائبة عن حياتنا اليومية، حيث لا نجد الفلاسفة داخل اليومي الثقافي، وهذا ناتج عن غياب عالم الاجتماع وعالم النفس والفلسفة في الوقت الذي يجب أن تتكامل فيه الأطياف الفكرية في المجتمع. ورأى المحاضر أن الرقابة ليست مقتصرة على العالم العربي والإسلامي وحدهما ولا مجتمعات العالم الثالث، بل نجد المنع والرقابة في أمريكا وأوروبا، وهي موجودة في المجتمعات لأنها شاملة، ولهذا لابد من تفتيت هذه الظاهرة وإخضاعها لعملية تشريح بشكل موضوعي، لأنها عامة أمريكية وأوروبية وحتى في اليابان، وأعاد المحاضر أسباب وخلفيات المنع والرقابة إلى الوازع الديني والأخلاقي والسياسي الذي نجده في منطق الدولة، لأن بعض الكتابات تهدد منطق الدولة، وينطلق المنع من الخوف على منطق الدولة، والمنع يأتي من التسلط الذي تمارسه الدولة كحجة للتسلط، كحجة للدكتاتورية في تكريسها لتكميم الأفواه. وبخصوص العالم العربي، أكدّ الزاوي أنّه في السنوات الأخيرة توسعت خارطة “لا يجوز” وأصبح التحريم في طابعه الديني هو الأكثر غلبة من المحيط إلى الخليج، وكل هذا التحريم يحدّ من الإبداع ومن الثقافة المختلفة، حيث تقلصت خارطة “يجوز” وأصبحت كمية الهواء الثقافي قليلة جدّا، وأصبح التلوث لا يسمح بالتنفس الثقافي. وقال الزاوي في تحليله لقضية التحريم؛ إنه حينما يقرأ القرآن الكريم يجده نصا مفتوحا، في حين يسمع بعض الفتاوى تحرم ولا تجيز، وأنّه لو نزل القرآن الكريم في أيامنا هذه لأفتى بمنعه، وانتقد أمين الزاوي وبشراسة القنوات الفضائية الكثيرة التي تحولت إلى عيادات للتداوي بالرقية، وقال إنها تمارس بذلك تغبية المجتمع الذي أصبح لا ناقد فيه “حتى أنني قرأت أنه في بعض الدول هناك سورا قرآنية تمنع قراءتها على النساء مثل سورة “يوسف”. وأضاف الزاوي أن الذين يحرمون ولا يجيزون، يريدون من خلال ذلك خلق ظاهرة الخوف في المثقف النقدي، مستعملين استراتيجية التخويف في المجتمع العربي الإسلامي، وتساءل المحاضر لماذا لايخرج الفلاسفة إلى المجتمع؟” ورأى أن سبب ذلك ناتج عن عملية التخويف التي وصلت بنا إلى حد التصفيات الجسدية. وأضاف الزاوي في تحليله لهذه الظاهرة أن هؤلاء الذين يفتون يحاولون اغتيال العقل، حتى أصبحت ظاهرة التخويف تولد للمبدع حالة معينة، مما ولدت فيه مراقبة دماغية، ومن هنا تنتج الرقابة الذاتية التي تصبح إرهابا على الذات، مما يؤدي إلى فقدان عنصر أساسي في الإبداع، ألا وهو الحرية الفكرية . واستشهد أمين الزاوي بكثير من الأحداث التي تعرض لها ككاتب، فعندما كتب روايته “رائحة الأنثى” قدمها إلى دار نشر، وعندما أعادتها له لتصحيحها لم يجد روايته وإنما وجد نصا آخر غير الذي كتبه، وأضاف الزاوي أن الكاتب الذي يتنازل عن موقف كهذا يصبح كمن تم اغتصابه، والتنازل يصبح كحالة عهر ثقافي سياسي، وهذا للأسف موجود عند المثقفين العرب. كما تطرق المحاضر في تحليله إلى خطأ فوضى الرقابة، فالمجتمعات الدكتاتورية تتعمد الفوضى لأنه من غير مصلحتها أن تقنن الرقابة، لأنها لو قننتها لأصبحت الرقابة واضحة، والدول العربية جميعها لا تملك قوانين رقابة وهي تمارس الرقابة ليست كرقابة دولة فقط، بل تحولها إلى الشارع، إلى الغوغاء. كما تناول الدكتور الزاوي قضية الرقابة على الجنس في العالم العربي الإسلامي، وأكد أن المشكلة تكمن في عدم قراءة تراثنا، ولهذا أصبح يهاجم كل من يكتب عن الجنس، ومن المستحيل التأسيس لحداثة في انفصال عن التراث لأننا عندما نقرأ تراثنا نجد الجنس حاضرا وبقوة عند السيوطي، النفزاوي، وابن حزم في “طوق الحمامة”، من لا يقرأ هذا التراث لا يستطيع أن يكون حداثيا ويصبح مرتبطا بثقافة غربية.