تحصي المؤسسة الاستشفائية العمومية للدويرة سنويا 10 آلاف شخص يتعرضون لمخاطر الحروق بكل أنواعها، وتسجل الحروق البليغة وحدها بين 250 و 300 حالة، نصف هذه الحالات تنتهي بالوفاة، فيما تسجل الحروق الكهربائية 150 إصابة، علما أن ثلثيّ الحالات المسجلة من الأطفال، حسب ما يشير إليه الدكتور سمير جوكدار رئيس مصلحة المحروقين بهذه المؤسسة. تشكل الإصابات بالحروق مشكل صحة عمومية بالنظر إلى خطرها الكبير وثقل التكفل بها، يكفي إدراك أن التكفل بإصابة واحدة يعني تجنيد طاقم طبي من 12 متخصصا، بمن فيهم النفسانيون وأخصائيو الأعصاب. فالحروق، مثلما يعرفها الدكتور سمير جوكدار، مهما كانت تعتبر جروحا من الدرجة الأولى، لأنها تترك ندبات جسدية أو حسية، يُقصد بها آثار نفسية تلازم المصاب بالحروق طيلة حياته، خاصة في مجتمع يعير الشكل الخارجي اهتماما كبيرا، وهو ما يسبب إعاقة من نوع ما للمحروق، حتى وإن كان الأثر مجرد ندبة في أية نقطة من الجسم. هذا الأمر يجعل خطر الإصابة بالحروق حادثا يستذكره الشخص الذي تعرض له مدى الحياة، عكس بقية الحوادث التي يمكن تجاوزها، وحتى نسيانها. وإذا كانت بعض الأمراض تلازم المصاب بها سنوات حياته دون أن تكون سببا مباشرا في وفاته، وهو ما يعرف بالأمراض المزمنة، فيمكن جدا للحروق أن تسبب الوفاة في 50% من حالات الحروق البليغة، لهذا تعتبر الوقاية عاملا استراتيجيا لا بديل عنه في إبعاد مخاطر التعرض للحروق التي يعددها المختص الذي نزل ضيفا مؤخرا على منتدى يومية «ديكا نيوز»، في عدم التساهل إطلاقا في توصيلات الغاز الطبيعي، مع اهتمام خاص بقارورة الغاز الطبيعي التي تشكل لوحدها خطرا كبيرا في إحداث الوفيات بالحروق، إذ يكثر ذلك في موسم الشتاء، حيث تزداد الحاجة لاستعمال الغاز قصد التدفئة، فلا يُولى اعتبار لخطر قارورة الغاز التي يمكن أن تنفجر لأسباب بسيطة كان من الممكن تفاديها، «وهو الحال بالنسبة ل 70% من حالات الحروق عموما التي يمكن تفاديها بقليل من اليقظة»، يقول المختص، مضيفا: «الوقاية تعني كذلك التخلي عن استعمال الموقد التقليدي (الطابونة) التي أصفها شخصيا بأنها الكابوس المرعب المسبب للحوادث، حتى أنها السبب وراء عدد كبير من حوادث الحروق البليغة التي تكون عادة الأم أول ضحاياها، كما أنه من المهم في نظرنا إيلاء أهمية لمساحة المطبخ الذي عادة ما يكون أصغر غرفة في المنزل، بينما صحيا، لا بد أن يكون أكبرها لأنه يلّم العائلة، يحتوي على أكثر وأخطر توصيلات الكهرباء والغاز في المنزل، إلى جانب مخاطر السكنات في مناطق الضغط العالي، وخطر التوصيلات الكهربائية العشوائية التي تكون هي الأخرى مصدرا للحروق، فالتعرض مثلا لصعقة كهربائية بشدة 200 فولط، نتيجتها الحتمية الوفاة. أما الحروق بالمواد الكيماوية فتشكل نسبة ضئيلة، لكنها موجودة». ويكشف المختص أن التكفل بمحروق واحد يعني توفير سرير واحد في غرفة كاملة مخصصة له بمصلحة متخصصة لكل مليون ساكن، مما يعني على الأقل 40 سريرا، وهو غير المتوفر حاليا في الوطن لأسباب كثيرة، داعيا السلطات المعنية إلى فتح مصالح متخصصة للتكفل بالمحروقين في كل مستشفى جامعي، على الأقل لتفادي التكفل بالشخص المحروق في مصالح الاستعجالات. كما أن هناك حالات حرق تتطلب فقط بعض العلاج بمركز للرعاية الصحية ولا داعي لتحويلها إلى مصالح الحروق المتخصصة المتوفرة تفاديا للضغط المتزايد، «في هذا السياق، ندعو إلى تكوين متواصل لأخصائيين في الطب العام قصد تدخل أمثل، دون اللجوء لعمليات تحويل المرضى حفاظا على سلامة الأعضاء، خاصة اليد التي تمثل لوحدها 30% من حالات الحروق المسجلة، وبسببها سيعاني المحروق من إعاقة أبدية، لأنه سيفقد الإحساس بالأشياء»، يشرح المختص، مضيفا أن معالجة المحروق تتم عبر تخدير كامل، مما يسبب آلاما جسدية كبيرة، وهو ما يطرح آثارا نفسية تعيش مع المصاب إلى الأبد. ولم ينس المختص الحديث عن بعض العلاجات الشعبية المتداولة، منها وضع بعض الدهون، مثل الزيت أو الزبدة على موضع الحرق باعتبارها مخففة له، لكنها غير معالجة، يكفي وضع القليل منها بعد إطفاء الحروق بكمية من الماء البارد، ثم التوجه إلى المستوصف لتلقي العلاج الملائم، بعدها يقرر الطبيب المعالج إن كانت درجة الحروق تتطلب تدخلا جراحيا. وفي السياق، يشير المختص إلى أن في المتداول 3 درجات للحروق، ويصف الدرجتين الأولى والثانية بالحروق السطحية التي عادة ما تتسبب فيها أشعة الشمس الحارقة خلال الموسم الصيفي، أو الصعقة الكهربائية الخفيفة، أو حتى السائل غير الساخن تماما، بينما تتسبب في الدرجة الثالثة منها؛ السوائل الحارقة، وأخطرها الزيت والماء، التي تصيب الجلد بحروق سطحية، إلى جانب الداخلية منها، كأن تصيب الأعضاء على نحو الرئتين، القلب والكلى وتكون عاقبتها الوفاة، حتى بعد أسابيع من علاج المحروق. جدير بالإشارة أن الجراحة الترقيعية التجميلية للمحروقين لا تأتي بنتيجة إيجابية بنسبة كبيرة، لأن الآثار والندبات تبقى ظاهرة وهي أبدية.