الفنان هذا الكائن الحساس الذي يجعل حياة الآخر أكثر جمالا ورقة وإنسانية، هو -كما يقال- تلك الشمعة التي تحترق لتضيء درب الآخرين، وضعية الفنان في بلادنا لا تخفى على أحد.ما رأي الفنانين في إلغاء الوزارة لمشروع قانون الفنان وتعويضه بالمجلس الوطني للفنان هذا ما كنا نريد سماع أجوبة عنه بلسان أصحاب الشأن فكانت هذه الندوة. محمد حمور: أحسن تكريم للفنان هو تمكينه من العمل لا أريد أن أكون قاسيا، ولكن أعتقد أنّ احتفالات مثل مهرجان المسرح المحترف أو غيرها لا فائدة منها، لأنّ وضعية الفنان ليست في أحسن الأحوال، وأعتقد أنّ أحسن تكريم لأيّ فنان هو تمكينه من العمل من خلال برمجته في مسرحيات أو أفلام أو حفلات أو معارض...كلّ في اختصاصه، ما لاحظته أثناء تواجدي بالعاصمة أن أكثر من 50 فنانا متخرّجون من معهد برج الكيفان لا يعملون وهذا مشكل كبير، لذلك في اعتقادي أنّ مثل هذه الاحتفالات لابدّ أن ترتبط بالإنتاج فإذا احتفلنا لابدّ وأن نحتفل بالعمل. أما فيما يتعلّق بقانون الفنان فأنا اتّفق مع الوزيرة في عدم وضع قانون وتعويضه بالمجلس الوطني للفنان، وأعتبر نفسي من المناضلين حتى لا يقنّن الفن، فبالنسبة لي، الجمهور هو الذي يعطي للفنان مكانته، فعلى سبيل المثل الفنان "رويشد" الكلّ يعرفه وبمجرد أن تنطق اسمه يهتف الجميع، "صراط بومدين" رحمه الله كذلك استطاع أن يصنع لنفسه جمهورا، لذلك فأنا أعتقد أنّ الفنان هو الذي يصنع لنفسه وجودا من خلال العمل وليس القانون، ربما يمكننا أن نتحدّث عن القوانين التي تحمي علاقات الفنان بالإدارة خاصة وأنّ أغلب الفضاءات ملك للدولة، ومن ثمّ لابدّ من تنظيم عملية التوزيع حتى يتسنى لكلّ مبدع أن يقدّم عمله. شيء آخر أريد أن أضيفه خاص بنقابة الفنانين أنا أعتبر هذا هراء، وأنا ضدّ من يحمّل المسؤولية للفنانين بحجة أنّهم لا يتّفقون ولا يجتمعون تحت تنظيم واضح أو نقابة.. الغيرة المهنية موجودة ولا يمكن إنكارها ليس في الجزائر فقط لكن في كلّ الدول لذلك فأنا لا أعتبره مشكلا، المشكل الحقيقي هو عندما يشتغل شخص ويبقى عشرون آخرون بدون عمل، فالأكيد أنّ العشرين سيغارون من هذا الواحد، لكن إذا توفّر العمل للجميع فإنّ هذه الغيرة ستتحوّل إلى منافسة تعود حتما بالفائدة على الساحة الفنية الجزائرية. -عباس محمد إسلام: مازلنا نعاني من الاحتقار وصراع الأجيال لا يستطيع أيا كان أن يردّ للفنان اعتباره إذا لم يحاول هو أن يرد الاعتبار لنفسه، فالفنان هو الذي يفرض احترامه، الفنانون الجزائريون منذ الاستقلال وحتى الآن لم يستطيعوا أن ينتظموا تحت لواء نقابة تدافع عن حقوقهم وتتكلّم بلسانهم، ممكن أن نجتمع في حفلات أو موائد عشاء ثم نفترق، لكن لنجتمع من أجل تقديم شيء يليق بهذا الوطن والدفع بالفن الجزائري إلى الأمام هذا صعب جدا. هناك احتقار بعض الفنانين- سامحهم الله- لزملائهم الفنانين، لم نصل بعد للتعامل بالمثل ونحبّ بعضنا البعض وننتقد بعضنا في إطار مهني بنّاء والابتعاد عن تهديم بعضنا البعض، تفرّقنا تعطي قوّة لغيرنا، لمجرد أن نفكر في شيء يسعى آخرون لتحطيمه والمشكل أنّ هؤلاء ليسوا غرباء عن عالمنا "عالم الفن"، هناك قطيعة كبيرة بين الجيلين الجيل السابق وجيل الشباب وبيننا نحن والجيل الذي يأتي من بعدنا. لولا وجود بعض الأشخاص الذين فكّروا في دمج الشباب والعمل معهم على غرار امحمد بن قطاف في مسرحية "التمرين" مثلا، إذ كنّا محور العمل في حين اكتفى هو برد الفعل، ليس الجميع في قامة بن قطاف يقبلون هذا. ممكن للوزيرة أن تلغي إنشاء قانون للفنان وأن تنشئ مجلسا للفنانين، لكنّها لن تستطيع أبدا أن تمنع كلّ من هب ودب من ولوج عالم الفن، لأنّ أيّا كان يمكن أن يقدّم عملا فنيا بغض النظر عن قيمته ويوقعه باسمه فيصبح فنانا ولا يستطيع أن يمنعه أحد، لكن إذا كانت هناك نقابة خاصة بالفنانين فالأمر سيتغير. لذلك أكرّر التأكيد على أنّ الفنان الذي لا يقيّم نفسه ولا يقرأ ولا يسعى إلى تطوير إمكانياته يبقى دائما دون المستوى ويقدّم أعمالا دون المستوى "والذي يختار الدونية سيبقى فيها". -بوزيد شوقي: من هؤلاء الذين سيضمّهم المجلس؟ أنا لا أومن بيوم الفنان لأنّني فنان كلّ أيامي بوجودي على الخشبة، أنا لا أحتاج إلى يوم أكرّم فيه يكفيني تصفيق الجمهور ووقوفي على المسرح لتقديم أعمالي، وأظن أنّ هذا اليوم لم ولن يضيف للفنان شيئا. أمّا فيما يتعلّق بإنشاء مجلس وطني للفنان، فأنا أرحّب بالفكرة لأنّني متأكّد أنّه بعد أربع أو خمس سنوات سيكون هناك قانون للفنان لماذا؟، لأنّ الفن ليس مهنة نقوم بها للحصول على أجرة نهاية كلّ شهر، هذا خطأ فادح، كما أنّ القانون الذي يسير المسارح خطأ فادح أيضا، وكذا ربط الإنتاج بالمناسباتية ...لذلك فأنا أطالب بإخراج الفنان من العمل بالأجرة، وأن يشتغل الجميع وفق نظام العقود المحدودة ودفتر شروط مدّته ثلاث سنوات لكلّ مدير مسرح يقدّم فيه ماذا سينجز خلال توليه الإدارة ليحاسب في الأخير على ما أنجز وفيما قصّر..تهيئة القاعات الموجودة وإنشاء فضاءات أخرى، وكلّ هذا يتطلّب سنوات طويلة وأخشى أن أرحل ولا أراها..لكن السؤال الجوهري من هؤلاء الذين سيكونون ضمن هذا المجلس هل هم الفنانون بالأقدمية، أو بالمحسوبية أو "بالرجولية" أو العمل أتمنى أن يكون الأخير. -عمر فطموش: لسنا بحاجة إلى نقابة وديوان حقوق المؤلف يفي بالغرض بكلّ صراحة، الفنان الجزائري اليوم يعيش بالقطارة فهو ينتظر المناسبات والمهرجانات لكي يعمل، ولكن هناك ربما إشارات ايجابية قد تؤدّي إلى تغيّر الوضع، ممكن أن يتحسّن الحال..أتمنى أن نتكلّم عن الحقوق عندما نتحدّث عن الفنان، لكن ليس من الباب النقابي وإنّما من الجانب الإبداعي والفكري وحقّ الفنان كفنان مادام أنّه يبدع ككلّ جزائري له الحق في نوع من الاعتراف والاحترام ولا نهمله حتى يجور عليه الزمن أو تبلغه المنية..أتمنّى كذلك أن يفتح النقاش على مصراعيه بين الفنانين في كلّ التخصّصات لنحاول أن نجد أرضية تعاون واشتراك. أمّا فيما تردّد مؤخّرا حول قانون الفنان ومجلس وطني للفنان، فأعتقد أنّ التسمية ليس لها أهمية كبيرة، إذ عندما نتكلّم عن قانون الفنان فسنتحدث بلسان النقابيين معناها تقنين الفن والفنان، وأنا أظنّ أنّه من الأفضل إنشاء مجلس وطني يجمع أعمال الفنانين ويقف إلى جانبهم والديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة الذي يعتبر فضاء للدفاع عن حقوق الفنان يقوم بهذه المهمة.. الآن يمكن أن ننشئ مجلسا ثانيا يكون استثنائيا إضافيا يرعى كلّ ما يرتبط بحقوق الفنانين على اختلاف مجالاتهم الإبداعية. إنّ الفنانين الجزائريين يحسبون على أصابع اليد لسنا كثر، وتنظيم المهنة يكون من خلال إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ولتكن البداية من الأجر أو القيمة المالية التي يتقاضاها أيّ فنان، لابد أن يكون ذلك وفق ترتيب أو سلم قيمي لأنّه من غير المعقول أن يحصل فنان معروف له تاريخ طويل وعطاء كبير نفس ما يتقاضاه فنان مبتدئ..لذلك لابدّ أن نبدأ أوّلا من هذا الباب، لكنّني ألحّ على ضرورة أن يكون هناك لقاء وطني يجمع كلّ الفروع الفنية التي تتناقش على حدة، ثم نجتمع ونتناقش بكلّ صراحة وجدية وأنا متأكّد أنّنا سنصل إلى حلول أو على الأقل إلى سبل أولية..وأجدد أنّ الحلّ ليس في النقابات، لأنّ التجارب النقابية في العالم وصلت إلى أوضاع كارثية. -حسان عسّوس: علينا اعتماد تنظيم تناوب العروض يمكن أن يكون إنشاء مجلس للفنانين شيئا ايجابيا وهاما بالنسبة للفنان، لكن وضع قانون للفنان فهذا ما لم أفهمه، لأنّه من يصنع قيمة الفنان ليس القانون وإنّما الجمهور هذا أولا، ثانيا هو أنّ الفنان بحاجة لإمكانيات من أجل العمل والإبداع لأن هذا هو الاعتراف الحقيقي سواء الإمكانات المادية أو الإنسانية، وكذا التكوين، الفضاءات والتوزيع..هناك أشياء يتمّ انجازها وهذا جميل لكن لابدّ من الاستمرار، رأينا السنة الماضية انجاز أمور كثيرة وهذه السنة أيضا هناك أشياء تتحرّك على المستوى الوطني، إذ هناك مشاريع تتحقّق . أنا ضدّ تقنين مهنة الفن، لكن مع نصوص تحمى الفنان خاصة على المستوى الاجتماعي، هناك الكثير من الفنانين الذين مازالوا يعملون بالأجرة، ولابدّ من تنظيم هذه الأجور ولكن هذا لا علاقة له بقانون الفنان ولكن بالجانب الاجتماعي. إذا أخذنا بعض البلدان التي قطعت أشواطا في هذا المجال خاصة بلدان الضفة الأخرى من حوض المتوسط فهم يعتمدون أسلوب يسمّى التناوب على العروض وهو أسلوب معقول -على سبيل المثال- حيث لا يتكلّمون عن قانون فنان وإنّما على تناوب العروض وهناك نظام يحميها وتعريفات نقابية تدفع وحماية اجتماعية خاصة بالتقاعد ....إذا قصد بالقانون هذا فأنا معه، لكن أشدّ ما أخشاه أن يكون القانون مجرد عموميات. لكن أنا أعتقد أنّه لابدّ من نقابة أو تنظيم يشكّل لسان حال الفنانين من أجل تمثيلهم أمام السلطات العمومية وطرح مشاكلهم وقضاياهم فأنا لست ضد تنظيم نقابة للفنان خاصة أننا لسنا كثر، لكن للأسف هذا أمر صعب جدّا لأنّ الفنانين يعانون من نوع من الأنانية الزائدة، ربّما مستقبلا يمكن أن يتحقّق ذلك مع الجيل الجديد من الفنانين.