المهرجان الدولي الخامس للمسرح الذي تتواصل فعالياته ببجاية، امتدت نشاطاته من العروض المسرحية المكثفة إلى الندوات الفكرية التي أضفت عليه طابعا علميا يبرز جانبا من جوانب التجارب والخبرات المسرحية المكتسبة، من خلال مسيرات مسرحيين اكتسبوا التجربة واستطاعوا أن يبهروا ويفتحوا نافذة المسرح العربي على فضاء المسرح العالمي، ومن هؤلاء المبدعين الذين تمت استضافتهم للندوة الأستاذ والمسرحي العراقي الكبير، جواد الأسدي، حيث أدار الندوة كل من الأستاذ الأمين الزاوي ومحمد آيت العميم من المغرب الشقيق حول كتاب الأسدي “المسرح جنتي”. استعرض، وبإسهاب، الدكتور الأمين الزاوي، سيرة جواد الأسدي المسرحية، منذ شغفه بالفن الرابع والمراحل التي مر بها متنقلا ومنفيا في فضاءات يصنعها فرارا من الواقع الاجتماعي المر إلى المسرح الذي يدفن في مشاهده وفصوله أوجاعه ويغسل على خشبته جراحه وينفس فيه ذلك الاختناق الذي يعانيه في داخله. فجواد الأسدي كما قدمه الزاوي يتقلب في المسرح من خلال مدارسه المتعددة فمن المسرح العمالي إلى المسرح الفلسطيني الذي لم يلجه برؤية سياسية وإنما ولجه برؤية اجتماعية عميقة، حيث نجده في كتاباته يكتب عن أمه التي كانت في هولندا، وكان يطلب منها الدعاء أو “البركة” لتشحنه بالقوة والطاقة، كما نجده يكتب عن الطفولة والمدينة. أما في كتابه هذا فبغداد هي هاجسه، العودة والبحث عن الطمأنينة في ذلك المنفى المسيج بالخوف والرعب الشديد. كما تناول الأمين الزاوي تجربة الأسدي المسرحية واشتغاله بالمسارح العربية، لبنان، دمشق، العراق والجزائر مع المسرح الوطني في مسرحيته “نساء في الحرب”، في المغرب، تونس، القاهرة الخليج العربي والشارقة، فهو يعرف المسارح العربية، ولم يبق الأسدي -يضيف الأمين الزاوي- يراوح مكانه بل اتخذ له منفذا للمسارح العالمية، مسرح الاتحاد السفييتي، والبلغاري والألماني. وأضاف الزاوي أن هاجس الأسدي يرتكز على محورين هما اللغة والممثل. من جانبه، تناول الأستاذ محمد آيت العميم، من المغرب الشقيق، عدة جوانب من مسرح ورؤى الأسدي وكتاباته وأفكاره تناولا تحليليا، حيث يرى أن نص الأسدي المسرحي يبقى مفتوحا لا ينتهي وأن نصوصه قوية، ويتكلم بلغة أدبية عالية، كان ساخرا في طرحه سالكا رواق المقولة “أضحك لكي أبكي” وراح آيت العميم يقارن ويوازن بين الأسدي والاثارات الفكرية والأدبية الأخرى العربية والعالمية مثل دانتي وأبي العلاء المعري، وبورخيس حيث رأى أن المسرح جنة خارجة من أنقاض الجحيم، جنة النار وإقامة عالم شعري في حياة لا شعرية. وأضاف المحاضر أن الكتابة عن التجربة هي في حد ذاتها نقد، والتي يتحدث فيها الكاتب عن فتوحاته وانكساراته، حيث استطاع الأسدي تقديم تجربة يمتزج فيها الذاتي بالفكري، وكتابه هذا “المسرح جنتي” سيرة عميقة، لغة عالية تواصله بالمسرح متينا، كما نجد في الكتاب جزءا من السخرية والجراحات والأسى. من جانبه، أكد الأسدي أن المتلقي الجزائري لديه حساسيات التلقي، وأن الجمهور الذي شاهد مسرحيته “نساء في الحرب” كلما التقى به يسأله ويتحدث معه عن هذه المسرحية. وعن تحويل وترجمة رواية كاتب ياسين “نجمة” إلى مسرحية قال الأسدي أنه تمت برمجتها في فرنسا في أكثر من أربعين مسرحا ثم ألغي المشروع لأن له رؤية خاصة للمسرح غير تلك التي يراها الفرنسيون لأن كاتب ياسين كان علامة بارزة لكن النص الذي أعطي لي لم يكن هو كاتب ياسين اشتغلت ستة أشهر على “نجمة” ووضعت النص في تركيب جمالي إلا أنه أصبح غريبا على فقهاء المسرح. الأسدي خلال دردشة معه نفى وجود مسرح عربي، حيث قال لا يوجد مسرح عربي، وعن المتلقي والمرسل المسرحي الذي يفرض أناه وإيديولوجيته لحرق القيم حيث يجد متلقيا معارضا، يرى الأسدي أنها فكرة ينبغي البحث فيها. مبعوث “المساء” إلى بجاية: ابن تريعة