جواد الأسدي فنان موهوب في التمثيل والإخراج المسرحي، ولد في مدينة كربلاء عام 1947م، أسهم في تنشيط الحركة المسرحية في العراق وخارجها ، واستطاع أن يجذب جمهور العربي بتمثيله الناجح على خشبة المسرح وبإخراجه الجيد العديد من المسرحيات، فتألقت في سماء الإبداع باسمه المسرحي المميز ، فارتأت يومية الاتحاد إن تجري هذا حوار معه لتطرق إلى أهم نقاط لنهوض بالمسرح العربي . باعتبارك عضو بلجنة تحكيم منافسة المهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته الثامنة، استنادا لذلك، كيف تقييم للمسرح الجزائري؟ جواد الأسدي : قدِمتُ إلى الجزائر منذ ثماني سنوات وقدّمت مسرحية "نساء في الحرب" من كتابتي وإخراجي، على هامش منافسة المهرجان الوطني للمسرح المحترف في دورته الأولى ، وكانت أول مرت التقي فيها بجمهور الجزائري وقد اثار دلك دهشتي ، وتنقلتُ بها من العاصمة الجزائرية إلى كل من وهران، قسنطينة، وكانت أول مرة ألتقي فيها بالجمهور الجزائري الذي ترك في نفسي أثرا رائعا، لتعطشه الكبير لتلقّف الأعمال الحقيقية والصادقة والأصيلة ، كما أنها مثلت لي فرصة تابعت بعض العروض للمسرحي امحمد بن قطاف، إضافة إلى بعض المسرحيات الشبابية الجزائرية التي أشهد لها بالتميز، ودائما كنت لطالما ان المسرح الجزائري يرتبط بشكل فعلي بالحياة الاجتماعية اليومية ويعبر عنها بطريقة صادقة واقعية، كما أنه لم ينزلق إلى البازار التجاري التافه ولا إلى التعبيرات السياسية المبتذلة السيئة الصيت، بل لطالما كان مسرحا أمينا، من مصطفى كاتب وعبد القادر علولة وصولا إلى المسرحيين المعاصرين الذين عبّروا بشكل فعلي من خلال أعمالهم عن التزامهم واحترافيتهم، وعلاقتهم بالمجتمع الجزائري، سواء من الناحية الجمالية بشكل متقدم أو من الناحية المعرفية والإنسانية بشكل عميق وأصيل. هاجس المسرحي جواد الأسدي "التلقي" لطالما كنت تتحدث منذ زمن عن هذه الفجوة، بين عروضك وبين الجمهور .هل تجاوزت هذا العائق ؟ هل تم ردمت هذه الهوة؟ جواد الأسدي: أنت تثيرين نقطة أساسية، وفكرة التلقي إشكالية خطيرة، وهي العصب الحقيقي في العروض المسرحية. لأجيب عن سؤالك.أعتقد أن هذه الهوة ازدادت بشكل أو بآخر.. بين البحث الجمالي، نصا وإخراجا وتمثيلا، وبين نوع الجمهور، هناك مسافة تاريخية كبيرة. هناك مكونات العرض المسرحي التي تقوم على النهوض بفن تمثيلي جديد، يعني ذلك التكريس لفكرة النحت على خشبة المسرح، قصدي أن تكون هناك علاقات مبنية في المكوّن المسرحي أشبه بالفن التشكيلي، لكن هذا العمق يتقاطع مع غربة كبيرة جدا، مع متفرج لا يملك نفس القاموس الجمالي. ما رأيك في عزوف الجمهور عن تعاطي المسرح خصوصا في ظل الانتشار الواسع للتكنولوجيات الحديثة؟ جواد الأسدي :السبب هو سذاجة الواقع الإعلامي للدول العربية، والذي يشتغل على فكرة المتع الغريزية العابرة، على حساب فكرة التنوير الجمالي أو المعرفي بشكل قوي، والمسرح أصبح ضحية هذا الطغيان الإعلامي الغريزي، وهو سبب عزوف الجمهور الذي يفضل البقاء في منزله لمشاهدة التلفاز، على عكس المسرح الأوروبي الذي لا يزال مزهرا وقويا، والأمر منوط بسياسة الدولة بالدرجة الأولى. هل لأن الجمهور يشعر أنها عروض لا تشبهه ؟ جواد الأسدي :نعم، لأن الجمهور العربي بشكل عام لم يتشكل بالمعايير الجمالية الثقافية التاريخية، لهذا نجد أن العروض التجارية الساذجة البسيطة التي تقدم على خشبة المسرح بطريقة خطابية (نكتة تافهة، نص مسطح ..) تحقق رواجا كبيرا لدى الجمهور، يقبلها بسرعة. وهذه هي مشكلة الازدحام في شبّاك التذاكر على نوع خاص يقوم على ثقافة بسيطة وسطحية، ببساطة لأننا لم نؤسّس ولم نحصن الموروث العربي العريق، ولم نكرّسه في التكوين الجمالي، وأصبحنا في مواجهة إنسان ضائع..وفارغ في كثير من الأحيان هل نحن في الوطن العربي نملك إمكانيات الميكانيزمات لردم هذه الفجوة؟ جواد الأسدي: طبعا هناك إمكانية، وذلك عندما نؤسس فعليا للفرد منذ ان يدخل المدرسة وهو طفل، حيث تبدأ مرحلة التكوين التي ترافق الإنسان خلال كل مراحل حياته، أي تربيته تربية حقيقة تربية جمالية.. الهوة حتما ستردم .. تتلاشى، فمثلا في موسكو أو أوروبا الشرقية، نجد الجمهور يملك ذاكرة معرفية جمالية تاريخية، لم تأت هكذا.. وإنما الدولة أسست لها..الدولة هي التي تؤسس لشخصية الفرد الذي يتفاعل مع تاريخه وتراثه ومخزونه المعرفي. في حين، نحن في المجتمع العربي في مواجهة بدائية التلقي في الخطاب، الذي يعتمد على المباشرة والفجاجة..مثلا عرضي :"الخادمات" لجان جونيه وحتى "نساء في الحرب" يأتيني جمهور، لكن من هو هذا الجمهور؟ إنه من النخبة من المعارف والمخرجين الذي يشتغلون على نفس المنطق الذي اشتغل عليه، جمهور نخبوي.. نحن بحاجة لجمهور يؤثث تاريخيا، وهو عمل حضاري كبير نؤسس له عندما نملك المعالم الحقيقية للمدينة. كيف ترى العلاقة بين المسرح والسياسة؟ جواد الأسدي :هناك العديد من الكتّاب والمخرجين المسرحيين، يشتغلون بالسياسة من الممر الإعلامي الضيق والسطحي، غير أن هناك قلّة منهم تشتغل على المسرح السياسي بعمق وتهجين اجتماعي، أعتقد أن علاقة السياسة بالمسرح علاقة وطيدة، غير أن أسوأ أنواع المسارح هي تلك التي تضع السياسة أولا، بمعنى تقدم السياسي عن الاجتماعي والإنساني الجمالي ليصبح المسرح سيء الصيت، في حين أنه من المفروض أن يحدث العكس، على غرار ما نجده في أعمال شيخوف، صامويل بيكيت ومجمل مسرحيات سعد الله ونوس، لا ضير من أن يكون للأسئلة السياسية مكانة داخل العروض المسرحية، بشرط أن يتم تحويلها إلى إشارات غير مباشرة، وتُضمّن بطريقة جد شفّافة. ما تقيمك لواقع المسرح بالوطن العربي حاليا ،في ظل الربيع العربي؟ جواد الأسدي :أعتقد أن هناك نكسة ثقافية كبيرة قادمة بكل مقاييسها، بالنظر إلى المرحلة الجديدة والمعقّدة التي تمر بها العديد من الدول، فيما يخص النزاع الجديد القائم بين الفكر التنويري والفكر السلفي الأصولي. ومن المؤكد أن المسرحيين الحقيقيين في الوطن العربي لن يتراجعوا، على الرغم من الصعوبات التي سيواجهونها في ظل التعبير عن الواقع اليومي المر بالنظر إلى أن الرقيب سيصير أقوى، والمجتمعات ستعيش حياة بدائية. هذه الهوة الحقيقية التي يعاني منها التلقي في الوطن العربي، هي في الأساس هوة جمالية ومعرفية بين عروض تريد أن تؤسس وتطلق أفكار جديدة، وبين جمهور لا يستطيع تفكيك الشفرات المعرفية الموجودة في العرض المسرحي. لكن الحديث عن نص تشكيلي على خشبة المسرح يحيل أحيانا إلى عروض تجريدية مبهمة، يدّعي أصحابها أنهم يمارسون خيار التجريب الذي أوقع المسرح العربي في ورطة أخرى؟ جواد الأسدي: صحيح قد تكون هناك سقطات في الخيارات المسرحية التي تؤدي إلى فقدان القدرة على الاتصال مع الجمهور، لكن هذا هاجس آخر، أنا أتحدث عن المسافة المعرفية، فمثلا "الإخوة كرامازوف" أو أي أعمال لتشيكوف عندها عمق جمالي معرفي كبير، تقدّمها بعلاقات بين ممثلين يؤدون أداء نحتيّا، لتصدم بجمهور لا يعي هذا المجهود . المشكلة أنه كلّما ازداد بحث المخرج عمقا وقيمة وثراء، انفك عنه الجمهور. ما نلحظه في السنوات الأخيرة، هو ميل الجمهور للعروض المسرحية ذات الطابع الفكاهي، ما جعل الفن الرابع يُصبح ترفيهيا أكثر منه توعويا، ما رايك في هذا الصدد؟ جواد الأسدي :الجمهور ليس وليد اللحظة، هو وليد تاريخ من العلاقة بين الإنسان وبين الإعلام والثقافة، والمعروف بأن الناس كلما أصيبوا بالهزيمة والحزن، يتجهون إلى الأماكن التي يعتقدون أنها “ترفيهية”، كالمسرح مثلا، لهذا حدثت قطيعة بين المسرح الحقيقي والمتفرج “الجديد” الذي لا يستطيع أن يقرأ الواقع المسرحي بشكل جيد ولهذا نجد أن العروض الكوميدية المجانية هي الأكثر استهلاكا وانتشارا من غيرها. حدّثنا عن أعمالك المسرحية الأخيرة؟ وعن مشاريعك المستقبلية؟ جواد الأسدي :أعمالي في السنتين الأخيرتين، تلخّصت في عمل بعنوان “الخادمتان” لجون جينييه التي تقف لتناول فكرة المستبد وإطاحته، وأخرى ذات طابع كوريغرافي لمحمود درويش، قدّمتها بمسرح بابل ببيروت الذي أُشرف على إدارته، تحت عنوان “لماذا تركت الحصان وحيدا؟” وأعدت مسرحية “نساء في الحرب” شاركت فيها نخبة فنية مغايرة لتلك التي قدّمت العرض في الجزائر، وأحضّر حاليا لعمل آخر من كتابتي وإخراجي، سأبدأ البروفات فيه بعد شهرين بعنوان “هندي أحمر”، هو نصي ومن إخراجي، وهو عمل رثائي للمجتمع العربي، نص مأتمي للحالة العربية، اشتغل على هزيمة حياتنا في شكلها الأخير، هزيمة المدينة العربية والهزيمة التي وصلنا إليها ،كما ان له علاقة وطيدة بما يجري في الساحة العربية من أحداث وتحولات جحيمية، أشتغل فيه على هزيمة حياتنا العربية في شكلها النهائي. من تحولات عاصفة وكذا مختلف التحولات الداخلية .