بنفس الطريقة والتوقيت تتحين إدارة الاحتلال الإسرائيلي في كل مرة، الفرصة لقتل كل مبادرة لتحريك عملية السلام في تحدّ لكل المجموعة الدولية والإدارة الأمريكية تحديدا، بأنها لا تريد إلا السلام الذي يخدم مصالحها. فقد اختار الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى الكيان المحتل، ليعلن عن مناقصات لبناء 1859 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وإذا كانت الضربة موجهة لعملية السلام في إطارها العام فإن القرار يُعد في واقع الحال ضربة للولايات المتحدة؛ على اعتبار أنها ترعى منذ جويلية الماضي، مفاوضات مباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بهدف التوصل إلى اتفاق سلام نهائي وفق مبدأ حل الدولتين. وليست هي المرة الأولى التي تتعامل إسرائيل مع الولاياتالمتحدة بمثل هذه الطريقة، الرامية إلى ضرب الكبرياء الأمريكي وجعل الولاياتالمتحدة وكأنها لا شيء عندما يتعلق الأمر بمصالح إسرائيل، وخاصة مشاريعها الاستيطانية التي تقوّض كل فرصة لتمرير حل الدولتين، الذي كانت تُعد الولاياتالمتحدة أول الداعين والداعمين له. وتكون الحكومة الإسرائيلية من خلال قرارها الذي سيتم تجسيده بعد أشهر، قد وضعت وزير الخارجية الأمريكي في مأزق؛ لأنه سيجد حرجا عند لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس؛ إذ لا يجد ما يقول له أمام سياسة الأمر الواقع التي تفرضها الحكومة الإسرائيلية على الجميع. كما أن صورة الولاياتالمتحدة ستهتز أمام وضعية حرجة لن تجد لها حلا، بدليل المرات السابقة التي أكدت عجز واشنطن أمام مواقف مشابهة، وجعل الفلسطينيين يتهمونها بعدم قدرتها على لعب دور الطرف المساعد في مفاوضات فقدت معناها. ويأتي الكشف عن هذا المشروع الاستيطاني الضخم ليؤكد أن المفاوضات الحالية وكل عملية السلام ما هي إلا مهزلة، بل ومضيعة للوقت ما لم تتدخل الولاياتالمتحدة وتلق بكل ثقلها لإنهاء مثل هذه الوضعية. ولا تبدو المبادرة الإسرائيلية بريئة، بل تأكد التخطيط المسبق لها لضرب مصداقية جون كيري نفسه؛ لأنه يُعد المبادر باقتناع الجانبين بعقد مفاوضات مباشرة بعد ثلاث سنوات من التوقف. وتكون إسرائيل قد لجأت إلى مثل هذه الخطة لتحويل الشعور بالتفاؤل الذي أبداه كيري أمس بخصوص إمكانية تحقيق المفاوضات الحالية مع الفلسطينيين تقدما على طريق تسوية النزاع، إلى تشاؤوم وحسرة. وقد اعترف وزير الخارجية الأمريكي نفسه بتوتر علاقات بلاده مع إسرائيل بسبب عراقيل حكومة الاحتلال الاستيطانية، والتي باشرتها، في مقابل إطلاقها لأسرى فلسطينيين اعتُقلوا ما قبل التوقيع على اتفاقات أوسلو للسلام مع الفلسطينيين قبل عشرين عاما.