"طريق حليمة" و"عمر" يرصدان وقائع تراجيدية في البلقان وفلسطين عُرض الفيلم الكرواتي "طريق حليمة" للمخرج أرسن أنطوان أستجيك، الخميس المنصرم بقاعة ابن زيدون بالعاصمة، بمناسبة اختتام أيام الفيلم المتوسطي بالجزائر، وقبله تم عرض الفيلم الفلسطيني "عمر" للمخرج هاني أبوأسعد؛ إذ استمتع الحضور بالجودة السينمائية التي قدّمها الفيلمان من حيث التقنية والمعالجة الدرامية. يسلّط فيلم "طريق حليمة" الضوء على جوانب إنسانية مؤثرة وقعت أيام حرب البلقان، حيث أتقن المخرج الكرواتي أرسين أنطوان أستجيك، نقل صور وحشية الصرب وقتئذ، وأقنع المتفرجين بمردوده الدرامي الذي أثر فيهم، وهناك من خرج باكيا من شدة التأثر. واستُقبل الفيلم الفلسطيني "عمر" بحفاوة كبيرة من قبل الجمهور لمستواه الفني وأداء ممثليه العفوي، الذي أعطى بعدا واقعيا لقصة الفيلم.
درب المعاناة خلال حرب البلقان تمكن الفيلم الكرواتي "طريق حليمة" من جعل جمهور ابن زيدون يذرف الدموع، حيث استحضروا حرب البلقان ووحشيتها، فعندما تسيطر العرقية على فئة أو جماعة سيكون الضحايا كثيرين، خاصة عندما يكون القتل جماعيا دون تمييز؛ ما يعني أن الرصاصة الطائشة قد تخطئ طريقها وتستقر في قلب الهدف الخطأ، مثلما حدث مع بطلة الفيلم حليمة، وهي امرأة مسلمة فقدت ابنها الوحيد بالتبني برصاص صربي، تناثر من بندقية والد الطفل المسيحي، الذي جهل أنه يقتل ابنه، وكذا الابن لا يدري أنه قُتل على يدي أبيه. والقصة مستوحاة من الواقع، ويطرح موضوع معاناة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فالفيلم يروي حكاية امرأة عاقر المدعوة حليمة، تربي ابن صديقتها المسلمة "صفية"، التي حملت من حبيبها المسيحي "صلافو"؛ حيث كانت تربطهما علاقة غرامية حرجة بسبب اختلافهما الديني، وأخفت صفية نبأ ولادة ابنها عن صلافو وأخبرته بأنه وُلد ميتا، لكن الحقيقة ما فتئت حتى ظهرت وانتهت بانتحار الرجل. أما صفية فقد تركته بعد أن أنجبت منه ثلاث فتيات وعادت إلى قريتها، وقد غفر لها أبوها فعلتها الأولى. أما حليمة فواصلت طريقها في عيش حياة قاسية دون ابنها المتبنى وزوجها بعد أن عرفت الحقيقة المرة. وقصة الفيلم هي واحدة من عشرات القصص التي تعرّض لها مسلمو البوسنة من تصفيات عرقية، صيغت بأسلوب درامي مفعم بالحس الإنساني والمشاعر والقيم التي يبحث عنها الإنسان في غابة العرقية. وعلاوة على التمثيل الذي كان راقيا ولاسيما بالنسبة للممثلة ألما بريكا التي جسدت دور حليمة، فهناك أشياء أخرى تجعل الفيلم أكثر تشويقا وحبا للمتابعة بعيون مفتوحة على مدار أكثر من 90 دقيقة، على غرار الموسيقى التصويرية التي كانت، في حد ذاتها، لغة سينمائية جميلة ومعبّرة، استحوذت على النصيب الأكبر من جمالية الفيلم، الذي تميز بالصورة والإنسانية.
"عمر".. تراجيديا الحب الغادر والوطن المسلوب تدور قصة الفيلم الفلسطيني "عمر" حول عامل مخبزة يدعى عمر، يتفادى رصاص القنص الإسرائيلي يوميا عبر الجدار الفاصل للقاء حبيبته نادية، بيد أن الأمور تنقلب حينما يعتقل العاشق المناضل من أجل الحرية خلال مواجهة عنيفة مع جنود الاحتلال، تؤدي به إلى الاستجواب والقمع. ويعرض الاحتلال الإسرائيلي على عمر العمل معه مقابل حريته، فيبقى البطل ممزقا بين الحياة والرجولة، ثم تتطور الحكاية متخذة أشكالا متنوعة من التصعيد. وتنقسم قصة الفيلم "عمر" إلى جزءين، الأول الذي تم تصويره في ظل جدار الفصل الإسرائيلي الذي يمتد بشكل متعرج عبر الضفة الغربية، عن قصة حب، والجزء الآخر يُعد قصة سياسية مثيرة. ويسعى الشاب عمر بشكل منتظم لتفادي الرصاصات التي يطلقها جنود الاحتلال من أجل تسلق الجدار لرؤية الفتاة المتيَّم بها. ويتحدث الشاب والفتاة بحماس عن الزواج، لكن خططهما تنحرف عن مسارها عقب اعتقاله بسبب تورطه في هجوم على الجيش الإسرائيلي قتل فيه جنديا، إذ يشتغل عمر رفقة صديقيه أمجد وطارق، ضمن المقاومة الفلسطينية، وطارق هو أخو نادية محبوبة عمر، إلا أن أمجد يرغب كذلك في الزواج من نادية، ومع تطور أحداث الفيلم يكتشف عمر أن عشيقته حامل من صديقه أمجد الذي كان الشخص المخبر للعدو الإسرائيلي، فأمجد اضطر ليكون كذلك خوفا من فضيحة نادية الحامل منه؛ إذ هدده العدو بكشف المستور إن لم يساعدهم في رصد تحركات المقاومة الفلسطينية والقبض على طارق زعيمهم. يجد عمر نفسه أمام مواقف صعبة كلها مُرة؛ خيانة الحبيبة، ووضعه مع العدو وصديقه طارق، وصدمته من أمجد وقصة الحمل؛ أحداث أدخلته في دوامة من الصراعات، فراح يحاول حل المشاكل، فقرر مصارحة طارق بما حدث، وفي حالة هيستيريا طارق لقتل أمجد دخلت الرصاصة خطأ في جسد طارق، فمات على إثرها. بعد الحادثة يكون عمر وأمجد قد انتهيا من قضية العدو الإسرائيلي، ثم ذهب عمر يزوّج صديقه الخائن أمجد رغما عنه، ورجولة منه في ستر حبيبته نادية. وأما بخصوص الشخص الذي يريد إدراجه كعميل في صفوف الشرطة الإسرائيلية فقد قتله عمر بعد أن وثق فيه، ليثأر لنفسه ولسمعته التي تداولت في الشارع على أنه خائن.