على الرغم من المجهودات الكبيرة التي بذلها ويبذلها مربو النحل، لتغيير عقلية المواطن الجزائري في أن العسل مادة غذائية ضرورية للجسم، إلا أن ثقافته لا تزال منحصرة في أن العسل مفيد للعلاج وتحديدا أمراض الشتاء كالأنفلونزا والحساسية، ومختلف الأمراض الصدرية مصداقا لقوله تعالى “يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس”. ولكي يتحول العسل إلى غذاء يقتنيه المواطن مثل أي مادة غذائية ضرورية، لابد من أن تتدخل عدة عوامل وأهمها السعر الذي يلعب دورا كبيرا في إبقاء العسل محصورا في العلاج فقط، حسب الآنسة مليكة، مربية نحل من العفرون إلتقتها “المساء” على هامش مشاركتها بمعرض العسل الذي أقيم مؤخرا بالمركز الثقافي ببلدية الأبيار حيث قالت: “ككل سنة نضرب لزبائننا موعدا لاطلاعهم على آخر ما انتجناه من أنواع مختلفة من العسل، ولعل ما لاحظناه بحكم المعارض المتعددة التي شاركنا بها، أن المواطن تكونت لديه ثقافة لا بأس بها فيما يخص فوائد العسل وأنواعه، إذ يقصدنا مباشرة لطلب نوع معين لعلمه المسبق بفوائده العلاجية دون الحاجة إلى سؤالنا ما يعني أنه سبق وأن جربه ويعي أهميته”. وأوضحت أن المعرض يتزامن سنويا مع فصل الشتاء أين تكثر الأمراض ويزداد في المقابل الطلب على العسل، حيث يقصدنا الزبائن بحثا عن عسل السدر، عسل اللبينة وعسل الكاليتوس، وهي الأنواع المعروف عنها محاربة أمراض مختلف أمراض الشتاء، وتحديدا الأمراض الصدرية والحساسية وأمراض الروماتيزم عند كبار السّن. وحول الأسعار أوضحت مربية النحل مليكة، أنها تعرف ارتفاع فاحشا هذه السنة بسبب قلة الإنتاج، نظرا للاضطرابات المناخية التي حالت دون رعي النحلة من الأزهار. ومن ثمة تراوحت الأسعار بين 2400 إلى 4000 دينار للكيلوغرام ما جعل الباحثين عن التغذي بالعسل يختفون، ويطغى الإقبال على إقتناء كميات قليلة من بعض الأنواع للعلاج فقط. من الصعب تكريس ثقافة أن العسل غذاء وليس دواء بمجتمعنا يقول المربي مبارك خالدي، من بوفاريك الذي عرض ما يزيد عن 12نوعا من العسل جمعها من 10 ولايات، بالنظر لارتفاع الأسعار من جهة، وضعف القدرة الشرائية من ناحية أخرى ويوضح قائلا: “في كل المعارض التي شاركت بها تقريبا، تبين لي أن المواطن عموما عندما يقتني العسل يكون الغرض منه العلاج بدليل أن ثقافة البعض انحصرت في بعض الأنواع المعروفة والتي تستخدم تحديدا بفصل الشتاء ومنها عسل السدر، والعسل الجبلي متعدد الأزهار، وعسل اللبينة”. ويعرف إنتاج عسل الحمضيات تراجعا كبيرا هذه السنة، وفي المقابل سعى بعض المربين إلى رفع أسعاره، الأمر الذي إنعكس سلبا على المواطنين الذين تعودوا على إقتناء عدة أنواع حيث اكتفوا هذه السنة بحصر مشترياتهم في نوع أو نوعين فقط للعلاج يقول المربي مبارك ويضيف: “ما أريد التنبيه إليه كمربي أمضى حياته في جمع مختلف أنواع العسل، هو أن العقلية الجزائرية ينبغي أن تتجه نحو التغذي بالعسل ولو بكميات قليلة كشرب كوب من الماء الدافئ مذابا فيها ملعقة عسل يوميا في الصباح على الريق والامتناع عن حصره في حالات المرض فقط وتحديدا للأطفال، لأن القاعدة العلمية تقتضي أن يتناول الفرد خلال السنة ما معدله سبعة كيلوغرامات من العسل وهو ما نحن بعيدين كل البعد عنه، إذا ما قارنا مجتمعنا بالمجتمعات الأوروبية التي تعتبره جزءا من غذائها اليومي”. ويربط الناس معارض العسل بالأمراض الموسمية وتحديدا أمراض الشتاء كالحساسية في مقدمتها والأنفلونزا، والأمراض الصدرية حسب مربية النحل السيدة نورة ضيف الله، التي أوضحت أن تجربتها الطويلة مع المعرض جعلتها تخرج بنتيجتين وهما: أن المواطن اكتسب ثقافة كبيرة في مجال فوائد العسل بدليل أنه لم يعد يسأل عن الفوائد العلاجية ببعض الأنواع التي أضحت مشهورة ومنها عسل السدر، اللبينة والكاليتوس، بينما تتمثل النتيجة الثانية في حصر استهلاك العسل في العلاج من الأمراض، وتحديدا للمسنين والأطفال بالنظر إلى ارتفاع سعره، وتحديدا هذه السنة حيث نشهد تراجعا في الإنتاج نتيجة للعامل المناخي بالدرجة الأولى. وحول مدى الإقبال على إقتناء العسل أوضحت، المربية نورة، أنه كبير ويبعث على الارتياح على الرغم من ارتفاع الأسعار وهذا راجع لسب واحد تقول هو الثقة التي وضعها الزبائن بالمربي الذي يبيع عسلا غير مغشوش، وهو طبعا، ما يتطلع إليه كل مستهلك. على الرغم من أننا نعرض العديد من أنواع العسل غير أن الطلب ظل كبيرا على عسل السدر، يقول المربي حميدو لطرش، من ولاية البليدة ويرجع ذلك إلى الشهرة الكبيرة التي اكتسبها هذا الأخير بالنظر إلى فوائده المتعددة، وتحديدا لمقاومة أمراض الشتاء واكساب الجسم المناعة. ويضيف محدثنا قائلا: “ما يجعلنا كمربين نشعر بالأسف إلى حد ما هو بقاء الثقافة الاستهلاكية للعسل محصورة في العلاج فقط، ما يعني أن المواطن لن يبلغ مرحلة التغذي به وهو للأسف الشديد راجع للأسعار التي قد يعتبرها المواطن مرتفعة، ولكنها بالنظر إلى المربي معقولة كونه يبذل الكثير من الجهد في سبيل تحصيل العسل”. وإذا كانت مختلف أنواع العسل قد عرفت إقبالا كبيرا عليها على غرار عسل السدر، البينة والعسل الجبلي فإن المراهم وكريمات الوقاية من قرّ البرد هي الأخرى عرفت إقبالا كبيرا وتحديدا من الجنس اللطيف بحثا عن بشرة لينة خالية من التشققات. احتكت “المساء” بزوار المعرض الوطني للعسل، على اختلاف شرائحهم العمرية لمعرفة الدافع من وراء إقتناء العسل فكانت إجابتهم تصب في وعاء واحد وهي التداوي بالدرجة الأولى، فهذه السيدة سعاد من سكان الأبيار، قالت “بأنها ترتقب سنويا معرض العسل لشراء ما يكفيها من عسل اللبينة المفيد للأمراض الصدرية لعلاج ابنها كونها لا تثق بالعسل الذي يباع بالأسواق”، وهو ذات الانطباع الذي رصدناه عند عبد القادر، الذي قدم من بلدية بئر خادم خصيصا لشراء عسل السدر، بالنظر يقول إلى فوائده الكبيرة للأطفال، ويوضح أنه على الرغم من ارتفاع الأسعار مقارنة بالسنة الماضية، إلا أنه يجد نفسه ملزما على الشراء لمواجهة أمراض الشتاء وتحديدا منها الحساسية التي يعاني منها شخصيا.