اختناق حركة المرور في العاصمة أصبح لا يطاق تماما وفاق كل الأوصاف، إذ أن السير على طرقات العاصمة أَضحى معاناة حقيقية وذلك ليس فقط في أوقات الذروة وإنما أيضا خارجها وخلال مختلف أوقات النهار، وقد يضطر السائقون لقضاء أكثر من ساعة وسط طوابير السيارات، ناهيك عما يرافق ذلك من توتر للأعصاب وأضرار تلحق بالمركبات إضافة إلى حوادث المرور والاصطدامات التي تسجل في الكثير من الأحيان ولأن العاصمة تعتبر محور استقطاب للعديد من القادمين من الجهات الداخلية للوطن كون أغلب المصالح الإدارية والوزارات مركزة داخلها، فإن ظاهرة اختناق حركة المرور أصبحت ميزة تطبع تقريبا جميع شوارع العاصمة، سواء بوسطها أو في مداخلها الشرقية والغربية ومختلف الطرقات المؤدية إليها، من القبة، العناصر، بلوزداد، سيدي امحمد، مرورا بوسط العاصمة إلى باب الوادي وعين البنيان، الشراقة، وتقريبا كل محاور الطرقات السريعة الرئيسية التي، لم تعد "سريعة" كما يشير إليها اسمها، وذلك في وقت لا يزال مستعملو الطريق يطرحون تساؤلات كثيرة منذ تلوين الرواق الثالث باللون الأزرق، حيث يرون أن الطريق السريع لا يحتوي اليوم سوى على ثلاث ممرات، واحد مخطط بالأصفر خاص بالإسعاف، ممر ثان بلون أبيض مخصص لجميع المركبات الفردية التي تقل عن ثلاثة أشخاص، وثالث بلون ازرق استحدث للمركبات التي تقل على الأقل ثلاثة أشخاص، وهو ما يعقد من أزمة الاختناق المروري إذ أن الطريق السريع أصبح يضم رواقا واحدا أورواقين· ويبدو أنه لا مخطط تسيير حركة المرور ولا التعديلات التي تطرأ عليه من فترة إلى أخرى استطاعت أن تخفف من حدة الظاهرة، فضيق المسالك والورشات التي تشهدها معظم الطرقات وكذا غياب اللافتات في بعض الأحيان كلها أسباب ساهمت في تفاقم الظاهرة، والواضح هو أن حظيرة السيارات لم تعد تواكب البنايات والمنشآت التحتية والفنية من طرقات وجسور ومحولات، حيث أنها ارتفعت من مليونين و200 ألف مركبة في سنة 1996 إلى قرابة 5 ملايين مركبة في سنة 2006 علما أن 30 بالمائة من هذه المركبات توجد بالعاصمة، كما أن النقل العمومي ورغم جميع الإجراءات المتخذة لتحسين أدائه لم ينجح بعد في الوصول إلى شبكة نقل عصرية ومتطورة تضمن خدمات قادرة على استقطاب المواطن وتجعله يفكر في التخلي عن وسيلة نقله الخاصة واستعمال الحافلة· ويجمع السائقون ومستعملو مختلف وسائل النقل أن الأشغال الجارية على مستوى شوارع العاصمة ووتيرة سيرها تبقى السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى تشكيل النقاط السوداء، إضافة إلى غياب اللافتات الخاصة بهذه الأشغال، مثل أشغال التزفيت، وصل قنوات المياه، الغاز وغيرها، حيث أنه في غالب الأحيان لا يجد المواطن أي إشارة أو معلم يدل على وجود تلك الأشغال إلا عند الاقتراب من موقعها، وذلك في وقت تؤكد فيه الجهات المعنية بأنه يستحيل القيام بالأشغال المتعلقة بتزفيت الطرقات خارج أوقات العمل أوفي الليل، تفاديا لإحداث ثقوب على مستوى شبكات الغاز الطبيعي، أوالصرف الصحي، أوقنوات المياه الصالحة للشرب، كما أن تدخل المصالح المعنية حينها سيكون مستحيلا حسبها، في حين أن هناك أشغالا كانت مقرونة ببعض المناسبات مما دفع بالسلطات المحلية التعجيل بأشغال التهيئة وتزفيت الطرقات في وضح النهار رغم ما يسببه من اختناق في حركة المرور، كما أن هناك بعض الأشغال تتعلق بتهيئة قنوات الصرف الصحي غالبا ما تباشرها مؤسسة المياه والتطهير لولاية الجزائر "سيال" لكن دون وضع إشارات تدل على وجودها ولا يمكن معرفة ذلك إلا عند الاقتراب من موقع الأشغال، الشيء الذي يضطر السائقين للبحث عن ممرات ومسالك أخرى، فأشغال تزفيت الطريق الجارية حاليا على مستوى نهج جيش التحرير تتسبب في اختناق حركة المرور وتخلف يوميا ازدحامات للسيارات، وتصل طوابير السيارات إلى مفترق الطرق الرابط بين شارعي المعدومين وحسيبة بن بوعلي، كما أنها تمتد على طول الطريق الذي يربط الضاحية الشرقية للعاصمة، إذ أن حركة المرور تشل تماما على مستوى المدخل الشرقي للعاصمة خصوصا في الفترة الصباحية خلال أوقات العمل، وقد يضطر السائقون لتغيير الاتجاه والمرور على شارع طرابلس بحسين داي وبلوزداد سعيا منهم لتفادي الازدحام، لكن دون جدوى، إذ أن الاختناق أصبح ظاهرة تطبع تقريبا كل شوارع العاصمة، وحتى الأنفاق المتواجدة بقلب العاصمة كالنفق الرابط بين شارعي حسيبة بن بوعلي وعميروش، أوالنفق الرابط بين بن عكنون وحيدرة ونفق شارع الشهداء، لم تنجح في التخفيف من اختناق حركة المرور، حيث لا يزال الاكتظاظ يطبع هذه الشوارع ولاسيما بلدية القبة التي تعتبر إحدى النقاط السوداء المعروفة بالعاصمة خاصة على مستوى الطرق الرابطة بين العناصر وحي قاريدي مرورا بحي الينابيع، وكذا الطريق المؤدي من وسط القبة الى حي بن عمر، فبمجرد غلق الشارع المؤدي من مفترق الطرق "اولمان خليفة" الى هضبة العناصر والرابط بحي الينابيع أوالقبة بسبب أشغال انجاز الجسر الذي سيربط هضبة العناصر بمقام الشهيد، أضحى الممر المؤدي إلى حي الينابيع يشهد شللا كليا لا يفك إلا بعد ساعات متأخرة من الليل، وهذا ما تسبب في تذمر العديد من مستعملي هذا الطريق الذين يضطرون لاتخاذه يوميا للتوجه الى العمل أو الالتحاق بمنازلهم أو لقضاء حاجياتهم من الأسواق والمحلات، كما أن هذه الوضعية التي يشهدها هذا الطريق جعلت أيضا العديد من السائقين، بما فيهم أصحاب حافلات النقل، يعزفون عن استعماله ويغيرون مسارهم، ومن ثم إلغاء محطات أحياء ديار العافية وكوبيماد وكذا قاريدي "2"· وفي هذا الشأن أوضح أحد سائقي الحافلات الخاصة أن الاكتظاظ الذي يواجهه يوميا على مستوى هذا الطريق جعله يغير الاتجاه، وهو نفس رد فعل بقية أصحاب حافلات النقل الجماعي الخاص الذين ينشطون بنفس الخط، وقد تسبب هذا الوضع أيضا في تذمر العديد من المواطنين الذين يستعملون الطريق لتعطل مصالحهم، أوالقاطنين بالسكنات المحاذية له، حيث أنهم معرضون لضجيج مستمر بسبب منبهات السيارات التي تعد الوسيلة الوحيدة لأصحاب السيارات للتعبير عن قلقهم من كثرة الانتظار· ولم تسلم الطرقات المؤدية إلى المجمعات السكنية من ظاهرة الاختناق ولاسيما في الفترات المسائية أوخارج أوقات العمل، كما هو الشأن في بلديات درارية وبن عكنون والدويرة غرب العاصمة، أوببلديتي برج الكيفانوباب الزوار شرق العاصمة، وبالخصوص على مستوى النفق الرابط بين بلديتي باب الزواروبرج الكيفان وذلك بعد تدشين أحياء جديدة بالقرب من حي 5 جويلية، وإسماعيل يفصح، وحي الموز بباب الزوار، وبن طلحة ببراقي والكاليتوس، حيث يرى سكان المناطق المذكورة بأن السلطات المحلية لم تفكر في توسيع الطرقات طبقا للمعطيات الجديدة ووفقا للمجمعات السكنية الجديدة التي شيدت بها للتخفيف من حدة الازدحام وحتى يكون هناك توازن، إلى جانب ذلك وتبقى التقاطعات الدائرية أهم النقاط التي تسجل بها ازدحامات في حركة المرور وذلك لأنها في معظمها "غير مطابقة للمعايير المعمول بها" حسب السائقين الذين يرون بأن أبعادها لا تتماشى وحجم تدفق السيارات التي تقصدها، مثلما هو الشأن بالنسبة للتقاطع الدائري الكائن بحي الينابيع (بئر مراد رايس) والذي يقع في محور طريق هام يشهد تدفقا كبيرا للسيارات، إضافة إلى التقاطع الدائري لباب الزوار الذي يشهد على مدار اليوم اختناقا فظيعا في حركة المرور، إضافة إلى تقاطعات دائرية أخرى على مستوى نهج ميرة ببلدية باب الوادي، بالقرب من محطة فرحاني وكذا التقاطع المجاور لثانوية عقبة بن نافع· وتستمر معاناة السائقين وجميع المتنقلين في انتظار إيجاد حلول لمشكل اختناق حركة المرور في العاصمة، علما أن الوضعية الحالية لحركة المرور في بعض المحاور تتطلب التفكير في حلول استعجالية لتأمين السيولة المرورية، كما أن الاكتظاظ الناتج عن الأشغال في الطرقات يتطلب السرعة في استكمال هذه الأشغال والتفكير المسبق في مسالك واتجاهات تعوض المسلك المقطوع حتى لا تتضاعف المعاناة، هذا في انتظار استلام مشروع الترامواي الممتد على مسافة 23 كلم انطلاقا من حي المعدومين وصولا لدرقانة ببرج الكيفان والذي باستطاعته نقل ما يربو عن 6800 شخص في الاتجاه الواحد لاحتوائه على 7 مقطورات، علما أن العمل حاليا منصبّ على إعداد المنشآت الفنية وتحويل شبكات الصرف الصحي والمياه الصالحة للشرب، إلى جانب مشروع الميترو الذي يتوقع استلامه في غضون نهاية 2008 ، بعد أن انتهت به أشغال الخرسانة في انتظار كهربة السكك الحديدية وإنارة الأنفاق· *