تم الإعلان، أخيرا، عن الحكومة اللبنانية بعد مخاض عسير وولادة قيصرية كلفت الوزير الأول المكلف تمام سلام عشرة أشهر كاملة من المفاوضات المضنية مع أقطاب الطبقة السياسية اللبنانية قبل الإعلان عن تشكيلة مولوده الجديد. وتعد هذه أطول فترة فراغ دستوري تعرفها لبنان ووضعتها على حافة الحرب الأهلية غذتها صراعات داخلية بلغت المواجهة المسلحة بين مختلف التيارات السياسية زادتها تأججا الحرب الأهلية الدائرة رحاها في سوريا وألقت بضلالها على المشهد اللبناني وكادت تعصف به في متاهتها. وقال تمام سلام إنه بعد عشرة أشهر من الجهود والصبر تم الإعلان عن حكومة توافقية جامعة كأحسن صيغة لتمكين لبنان من مواجهة التحديات التي تواجهه. وضمت حكومة التوافق لأول مرة منذ ثلاث سنوات فرقاء الساحة السياسية اللبنانية من قوى "الرابع عشر آذار" بقيادة سعد الحريري زعيم تيار المستقبل وقوى الثامن آذار المناوئة لها بقيادة حزب الله اللبناني. وضمت حكومة تمام 24 حقيبة وزارية عادت ثماني وزارات فيها إلى التيار الذي يقوده حزب الله بينما عادت ثماني حقائب أخرى إلى الفريق الذي يقوده سعد الحريري وثمانية لوزراء مقربين من الرئيس ميشال سليمان ووليد جنبلاط زعيم الحزب الاشتراكي التقدمي. وقبلت مختلف أطراف المعادلة السياسية اللبنانية بمثل هذا التقسيم حتى تمنع أي تيار سياسي من رفع ورقة الفيتو في وجه قرارات الحكومة بعد أن منحت لجناح الرئيس سليمان والزعيم الدرزي وليد جنبلاط حقائب وزارية ضمن خطة لعدم تغليب ميزان القوة الحكومي لصالح فريقي 14 مارس أو 8 مارس وبالتالي تفادي العودة الى حالة الانسداد التي عرفها لبنان منذ قرابة عام. وقال رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة أن التشكيلة المعلن عنها تمثل "الصيغة الأنسب في هذه المرحلة" داعيا الجميع الى "التنازل عن مواقفهم لصالح مشروع الدولة" وحسم خلافاتهم داخل الهيئات الدستورية. يذكر ان وتيرة تشكيل الحكومة اللبنانية عرفت تسارعا لافتا للانتباه منذ 21 جانفي الماضي عندما أكد سعد الحريري زعيم تيار المستقبل انه لا يرى مانعا في تشكيل حكومة توافقية مع غريم الامس، حزب الله في تحول أثار الكثير من التساؤلات في لبنان حول الدوافع التي جعلته يقبل بمثل هذه الصيغة التوافقية. ولا يستبعد أن يكون الحريري حصل على ضمانات بان يكون لفريقه نفس عدد الحقائب التي ستؤول لفريق حزب الله رغم انه برر موقفه بحرصه على إنقاذ لبنان ومنع دخوله مرحلة اللااستقرار الذي بدا يتهدده بسبب الأزمة السورية. ولكن متتبعين أكدوا أن الحريري قبل بتقديم تنازلات كبيرة بما فيها تخليه عن تعيين جنرال الشرطة المتقاعد اشرف ريفي في منصب وزير الداخلية واحد أشرس المناوئين لحزب الله حيث تم تعيينه في منصب وزير العدل بينما عين نائب تيار المستقبل نهاد المشنوق وزيرا للداخلية. وفي مقابل ذلك عادت حقيبتا الخارجية والطاقة لحركة ميشال عون المنتمي الى فريق حزب الله.