بقدر ما كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وفيا للجزائر، كانت غالبية الشعب الجزائري أكثر وفاء له، لأنه المجاهد والسياسي المخضرم والمحنك، لبى نداء الوطن وقت الشدة وهو الذي كان يعيش في بحبوحة عند أشقائنا في الخليج، إلا أنه آثر نداء الوطن على رغد العيش، فاحتضنه الشعب، ومنحه غالبية الأصوات في استحقاق 1999، بنسبة 73.79 ٪، ولأنه وفى بما التزم به من خلال كسر الحصار الدولي الذي ضرب على الجزائر وأخرجها من النفق المظلم وسن قانون الوئام المدني، صوت له الشعب لعهدة ثانية بنسبة 84.99 ٪ خلال الاستحقاق الرئاسي 2004، رغم سياسة التشكيك والتهويل والتهديد التي انتهجتها المعارضة في وقت كان البعض يطالب بالتدخل الخارجي، وكانت الجزائر الشغل الشاغل للمنظمات غير الحكومية التي تمتهن "الدفاع" عن حقوق الإنسان، إلا أن النهج الذي انتهجه في برنامجه الذي يرتكز على المصالحة والإقلاع الاقتصادي استحق به عهدة ثالثة، بنسبة تصويت بلغت 90.24 ٪، لكنه بعد أن سدد المديونية، عمل على تجفيف منابع الإرهاب ومكافحة البطالة من خلال تشجيع الاستثمار الخارجي والوطني وإعطاء الفرصة للشباب لكي ينشئ مؤسسات صغيرة، وانطلقت مشاريع السكن والطرق والمستشفيات والجامعات فأضحت الجزائر أشبه بورشة كبيرة، ودخلت في بحبوحة مالية ساهمت في تحسين مداخيل العمال برفع الأجور. تحقق ذلك رغم أن حمل المسؤولية ثقيل، وقيادة بلد بحجم الجزائر ليست بالأمر الهين، فيد تبني وأخرى تهدم، وأبواق الجاحدين والناكرين والحاقدين لا ترحم. لقد أقعد المرض الرئيس، ومع ذلك طالبته كبرى الأحزاب والمنظمات الجماهيرية والمجتمع المدني واتحاد العمال والتجار وغيرها بالترشح لعهدة رابعة، ولأنه تربى وترعرع على التضحية، وجبل على الوفاء، لم يستطع رفض الطلب، فهو من جيل، قال فيه الشهيد العربي بن مهيدي: "طالب المسؤولية خائن ورافضها خائن". ورغم ما قامت به المعارضة، وبعض الأبواق من محاولة للتأثير على الشعب بالتغني بالفساد ونهب المال العام، ومحاولة جره إلى مقاطعة الانتخابات، إلا أن غالبية هذا الشعب رفعت التحدي وظلت وفية فصوتت له في الاستحقاق الأخير بما يستحق، وكانت نسبة المشاركة 81.53 ٪. ومن ذلك نستنتج أن الوعاء الانتخابي الحاضن للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ظل وفيا، والحاضن لغيره بقي متأرجحا صعودا ونزولا، والأوراق الملغاة التي بلغت أزيد من مليون ورقة، تعني أيضا أن باقي المترشحين لم يستطيعوا استمالة هذا الكم من الهيئة الناخبة وإقناعها بخطابات الحملة الانتخابية. والمقاطعة تعني في مفهومها أيضا رفض باقي المترشحين، ومع ذلك فالمقاطعة كانت لصالح الرئيس الفائز لأنها لم ترجح كفة الآخرين.