تأسست حركة عدم الانحياز التي تشكل أكبر تجمع بعد منظمة الأممالمتحدة بضمها 117 دولة، في منصف القرن الماضي، في خضم الحرب البادرة بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي والغربي الرأسمالي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي غمرة الكفاح المسلح الذي خاضته حركات التحرر للشعوب المستعمرة لنيل حريتها واسترجاع سيادتها. بعد إجراء سلسلة من اللقاءات التحضيرية انعقد مؤتمر باندونغ من 18 إلى 24 أفريل 1955، بمشاركة دول مستقلة من أسيا وافريقيا، إضافة إلى ممثلي حركات التحرر من بينها ممثل جبهة التحرير الوطني التي كانت تقود الكفاح من اجل الاستقلال في الجزائر. ودار جدل فقهي وسياسي هام في المؤتمر حول مفهوم عدم الانحياز الذي دافع عنه في تلك الفترة الرئيسان الهندي نهرو والمصري جمال عبد الناصر. ورغم أن البيان الختامي للاجتماع لم يشر بوضوح وصراحة إلى سياسة الحياد الايجابي، أو عدم الانحياز إلا أن المحللين السياسيين يجمعون على أن هذا الاجتماع، يعد اللبنة الأساسية الأولى لنشأة حركة عدم الانحياز، حيث تم اعتماد قرارات ومبادئ تشمل توثيق التعاون الدولي، واحترام حقوق الإنسان وحق تقرير المصير، وشجب التمييز العنصري وضرورة القضاء على الاستعمار، وتأكيد حقوق الشعوب وتأييد حركات التحرر الوطنية وعدم الانتماء إلى أي حلف عسكري تم عقده في إطار المنازعات بين الدول الكبرى، وعدم القبول بإقامة قواعد عسكرية لدول أجنبية على الأراضي الوطنية.
مؤتمر بلغراد 1961 القمّة التأسيسية لحركة دول عدم الانحياز انعقد أول مؤتمر قمّة لدول عدم الانحياز في العاصمة اليوغسلافية بلغراد، في الأول من سبتمبر عام 1961، واشترك فيه 25 دولة، رفضت أغلبيتها في البداية الفكرة اليوغسلافية بإنشاء منظمة دولية تتبنى سياسة عدم الانحياز، خشية تحولها إلى تكتل ثالث يقع في تناقض مع مفاهيم سياسته. غير أن الفكرة برزت ونالت الدعم الكامل من الشعوب المتحررة من الاستعمار والمستقلة حديثا، وتكرست فكرة الاجتماعات الدورية للحركة للبحث في مختلف المعضلات الدولية. وفي 1963 أعلن في تصريح بالجمعية العامة للأمم المتحدة عن ميلاد مجموعة ال77، اي بعدد الدول الأعضاء لهذا التجمع آنذاك بعد انضمام دول أمريكا اللاتينية التي كانت غائبة في مؤتمر باندونغ .
قمة الجزائر 1973 منعطف تاريخي وإلحاح على إقامة نظام اقتصادي جديد شكلت قمة الجزائر في سبتمبر 1973، منعطفا حاسما في تاريخ حركة عدم الانحياز، ورسخت وعي قادة الحركة بضرورة تعزيز الاستقلال السياسي لدول الحركة، وبسط سيادتها على ثرواتها الطبيعية وخاصة ما يتعلق بمطلب إقامة نظام اقتصادي جديد الذي صادقت عليه الأممالمتحدة عام 1974. كما تمت المصادقة خلال هذه القمة باقتراح من الجزائر، على قرار تشكيل مكتب التنسيق لحركة عدم الانحياز بالأممالمتحدة، باعتباره مكلفا بتأمين استمرارية نشاط الحركة بين قمم الحركة ودوراتها الوزارية.
متغيرات دولية وتحديات جديدة تواجه الحركة وتوالت بعدها المؤتمرات الدورية للقمة، وكان آخرها في طهران عام 2012، ومعها تم التأكيد على نفس المبادئ والقرارات التي تم إعلانها سابقا في مؤتمري باندونغ لعام 1955، وبلغراد عام 1961، إضافة إلى تزايد الاهتمام بقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومنذ بداية التسعينيات كان لابد لحركة عدم الانحياز من مواجهة المتغيرات الدولية المعاصرة، بعد سقوط الكتلة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفياتي، وانتقال العالم للدوران في فلك القطب الواحد بقيادة الولاياتالمتحدة. ومنذ ذلك الوقت لم تعد مسألة الحياد وقضية التبعية لأحد المعسكرين من أولويات الحركة، نظرا لانتفاء أحدهما، وإنما بدأت مسألة التحرر في المجالات كافة تأخذ مداها أكثر فأكثر في اجتماعات الحركة، إضافة إلى التعرض للقضايا الدولية المزمنة كالقضية الفلسطينية والحصار المفروض على العراق، وتعزيز الديمقراطية في مجال العلاقات الدولية والإسراع بالنمو الاقتصادي للبلدان النامية، وتدعيم هيئة الأممالمتحدة وتنفيذ قراراتها وتوصياتها.