كسب قلوب الملايين بخفة روحه المرحة، وعشق الصغار والكبار أداءه المتميز وقدرته الخارقة على اختراق الأفئدة، تقاسيم وجهه الطيبة والمألوفة تبقى راسخة في الذاكرة الجماعية للجزائريين حفرتها يوما بعد يوم روائعه الفنية في المسرح والسينما والتلفزيون "حسان تيرو"، "اه ياحسان"، "حسان نية" و"البوابون" و"الغولة" ذلك هو الفنان رويشد الذي نذكره اليوم بعد مرور11 سنة على رحيله في 28 جانفي 1999. هو الممثل الكوميدي الجزائري المعروف باسمه الفني "رويشد" واسمه الحقيقي احمد عياد، ولد في الجزائر العاصمة في 20 أفريل عام 1921 بحي القصبة، ومارس العديد من الحرف الصغيرة لكسب لقمة العيش، بدأ حياته عاشقا للرياضة التي ولجها من العدو الريفي ثم كرة القدم، ولكنه انقطع عنها فيما بعد وبمساعدة عمر لعواصي التحق بفرقة "رضا باي" المسرحية الهاوية التي مثل فيها عديد الأدوار الكوميدية في مسرحيات قصيرة وفتحت له مؤهلاته الفنية أبواب الفن الرابع في سن مبكرة. وساعدت هذه المرحلة الفنان على اكتساب خبرة كبيرة وشهرة ساعدته على الظفر بأدوار رئيسية في السينما لاحقا، وكان أول دور أداه الفنان على الركح في مسرحية "استرجع يا عاصي" لعبد الحميد عبابسة التي نالت إعجاب الجمهور آنذاك، مما شجعه على مواصلة المشوار الفني واعتناق هذه المهنة التي مكنته من الاحتكاك بالعديد من الوجوه البارزة للمسرح الجزائري أمثال رشيد قسنطيني، مصطفى بديع ، نجاة تونسي، سيد علي فرناندال، محمد توري ومصطفى كاتب. كان "رويشد" من محبي الفنان القدير رشيد قسنطيني (1887 -1940) ومتتبعي أعماله، ومن هنا أطلق عليه اسم "رويشد"، في 1942 انضم إلى فرقة المسرح العربي بقاعة الأوبرا بالعاصمة بدعوة من بشطارزي ومثل فيها عديد المسرحيات، وفي سنة 1949 انضم إلى فرقة محمد الرازي حيث مثل إلى جانب الممثل القدير حسان الحسني في العديد من المسرحيات منها "مصائب بوزيد" و"بوزيد والجن"... وغيرها . ابتداء من عام 1953 شرع رويشد في أداء بعض السكاتشات في حصة إذاعية تسمى "الدراوشي" ثم في حصة أخرى بعنوان "اشرب واهرب" ونظرا لمواقفه المعادية للإدارة الاستعمارية والتي حملتها بعض أعماله المسرحية، سُجن بسركاجي ما بين عامي 1957 و1959، وبحلول الاستقلال تغيرت الأمور والبداية كانت سنة 1963 بقرار تأميم المسرح الجزائري وإنشاء فرقة المسرح الوطني التي أصبح الفنان رويشد أحد أعضائها وبات نجما ساطعا في سماء المسرح، من خلال أعمال مشهورة مثل "حسان طيرو" التي ألفها رويشد وأخرجها مصطفى كاتب سنة 1963، ومسرحية "البوابون" التي ألفها هو أيضا وأخرجها مصطفى كاتب سنة 1970، وتحصلت كل منهما على الجائزة الأولى في مهرجان المنستير بتونس، كما ألف مسرحية "الغولة" وأخرجها عبد القادر علولة سنة 1964، ومسرحية "آه ياحسان" التي ألفها وأخرجها بنفسه سنة 1978. ومعروف عن رويشد أنه يكتب نصوصه من عمق الواقع الاجتماعي بأسلوب ساخر وناقد، ويقوم بأداء الدور الرئيسي فيها ويطوره عن طريق الارتجال والتفاعل مع الظروف المقترحة أثناء العرض أو أثناء التصوير بالنسبة للسينما، لقد كان فعلاً ظاهرة جديرة بالدراسة. في مجال السينما، مثّل رويشد في العديد من الأفلام السينمائية الهامة وعلى رأسها "حسان طيرو'' لمحمد لخضر حامينة الذي حقق نجاحا جماهيريا كبيرا مازال قائما حتى الآن، "العفيون والعصا" (1971) لأحمد راشدي الذي يمثل هو الآخر أحد أهم روائع السينما الجزائرية، "هروب حسان طيرو" ( 1974)، "حسان طاكسي" في (1982)، "حسان نية" في (1989)، "الظل الابيض" في (1989)، في سنة (1972) قدم استقالته للمسرح الوطني بعد أن شعر ان حريته الإبداعية محاصرة. في سنة 1993 كتب الفنان رويشد مذكراته مازجا بين الفرح والحزن، ولقد تأثر تأثراً شديدا بوفاة ابنه منير البالغ من العمر 13 سنة، ولقد كان هذا الحزن سببا في تفاقم مرضه إلى أن أدركته المنية بتاريخ 28 جانفي 1999 في بيته بالأبيار بالعاصمة.