هو محمد اسطمبولي المعروف بمحبوب اسطمبولي، واحد من أبناء هذا الوطن الذين جمعوا بين الفن والكفاح، برصيد فني كبير ترك بصماته في مختلف مجالات الفن، في وقت كانت فيه الجزائر بأمس الحاجة إلى من يصرخ بهويتها ويجسّد تميّزها، شرّف مسيرته الفنية الطويلة بتاريخ كفاحي مجيد كان نتاجه سنوات طويلة من الاعتقال والتعذيب، فرسمها بخيوط من ذهب ليرحل مخلّفا إرثا تنهل منه الأجيال المتعاقبة. ولد محبوب اسطمبولي في السادس من جانفي 1914 بولاية التيطري (المدية حاليا)، وسط عائلة متواضعة الحال محافظة على التقاليد والقيم، حفظ القرآن وتعلّم اللّغة العربية في سن مبكرة على غرار أترابه آنذاك، ثم ألحقه أهله بالمدرسة الكولونيالية، ويعدّ من بين الفنانين المخضرمين حيث عاش الفترة الاستعمارية ثم الثورة فالاستقلال، وبذلك يكون قد عايش أعمدة الفن في الجزائر على غرار بشطارزي، رشيد قسنطيني، حسن الحسني، نورية ومصطفى كاتب وكان واحدا منهم. الراحل اسطمبولي كان فنانا متكاملا وشاملا، جمع بين المسرح والسينما والموسيقى والشعر وحتى الرياضةو وقد سمح له تكوينه المزدوج أن يكون واسع الثقافة، كما كان ممثلا ومؤديا ومخرجا ومكوّنا ومؤلّفا مسرحيا، وبلغ رصيده أكثر من 5 آلاف قصيدة وأغنية في الشعبي والحوزي والملحونو وتناول من خلالها مواضيع مختلفة شكلا ومضمونا، إلى جانب 40 مسرحية و 10 سيناريوهات و4 روايات، كما قام باقتباس وترجمة العشرات من النصوص المسرحية استقاها من "الريبيرتوار" العالمي، خاصة من أعمال براخت وسيرفانتس. علاقة اسطمبولي بالفن بدأت في سن مبكرة جدا، بارتياد المسارح وهو طفل صغير، ليكلّف ببعض الأدوار وعمره لا يتجاوز السبع سنوات، أي في 1921، وهو التاريخ الذي تزامن مع زيارة المسرحي الكبير جورج الأبيض إلى شمال إفريقيا، وبحلول 1935 أسّس أوّل فرقة له تحت اسم " هلال الرياضة والثقافة"، التي كانت تمارس عدة نشاطات من بينها الرياضة، الموسيقى والمسرح، وكانت تضمّ كلا من محمد بن ديب، محمد اغرايلي وميلود طهراوي. في 1939 وأثناء الحرب العالمية الثانية، انتقل محبوب اسطمبولي إلى العاصمة وهناك التقى الممثل والمؤلف جلول باش جراح وكوّن معه فرقة "المسرح والموسيقى العصرية"، التي ضمّت أيضا سيد علي فيرنانديل وسيساني، وفي نفس العام تعرف اسطمبولي على أحمد عياد الذي عرف فيما بعد ب"رويشد" والتمس فيه الموهبة ولقّنه كلّ ما يعرفه وأعطاه دورا في مسرحية "السوق"، ولم يكن رويشد هو الوحيد الذي اكتشفه اسطمبولي، بل الكثير من الوجوه الفنية الأخرى على غرار الفنانة المجاهدة "عويشة" التي لم يكن يتجاوز عمرها 8 سنوات. إلى جانب العمل الفني، كان الفنان المتكامل محمد اسطمبولي مناضلا وعضوا حيويا في الحركة الوطنية إلى غاية الثورة وما بعد الاستقلال، حيث كان عضوا نشطا في حزب الشعب الذي كلّفه في 1940 بإنشاء فرقة مسرحية أطلق عليها اسم" رضا باي"، كما كان واحدا من مؤسّسي الحركة الكشفية التي زوّدها بالعديد من الأناشيد الثورية والنضالية، وبعد إحداث ماي1945 منعت الإدارة الاستعمارية أي نشاط فني أو سياسي، وكانت فرقة اسطمبولي من بين الفرق التي منعت من النشاط بسبب أفكارها التوعوية والتحسيسية والتقدّمية ولم تعد للعمل إلاّ بحلول سنة 1948 . وعند اندلاع الثور المسلحة في الفاتح من نوفمبر 1954، انضمّ إلى صفوف جبهة التحرير الوطني ورفع السلاح إلى جانب رفقائه ليلقى عليه القبض في 1947، وبعد إطلاق سراحه التحق بالإذاعة وهناك أنشأ العديد من الحصص الثقافية على غرار "المغامر"، "الشعر الملحون" و"أحلام وأوهام" ... وبعد الاستقلال أنشأ حصة أدبية تربوية تلفزيونية بعنوان "عالم الشباب". بعد تأميم أوبرا الجزائر التي تحوّلت إلى المسرح الوطني الجزائري، أصبح اسطمبولي أحد رجاله وعمل كممثل ومؤلف مسرحي، حيث قدّم مسرحية "الغولة" لرويشد، "القراب والصالحين"، كما اقتبس مسرحية "دائرة الطباشير القوقازية " لبراخت، تخلى بعدها عن المسرح الوطني وانتقل إلى فرقة مسرحية خاصة كوّنها الفنان الكبير حسن الحسني إلى جانب الطيب أبو الحسن، عمر أوحدة، قاسي القسنطيني وعفيفة. وفي مجال السينما، شارك الفنان في العديد من الأعمال التي لقيت نجاحا جماهيريا كبيرا، على غرار فيلم "العفيون والعصا " لأحمد راشدي، مسلسل "الحريق" لمصطفى بديع وفيلم " الفحّام" لمحمد زموري، ليس هذا فقط، بل صنع اسطمبولي نجومية العديد من المطربين، على غرار شاعو عبد القادر الذي كتب له " يا العذرا وين أماليك"، و"في جاه ربي يا جيراني" وكذا الفنانة نادية بن يوسف، نرجس، عبد الرحمان القبي، وكذا حسان السعيد، وبحلول سنة 1973 طلّق اسطمبولي عالم الفن وجلس إلى التقاعد قبل أن يلتحق بشركة "سوناطراك" كإطار في القسم الثقافي وأسّس فرقة للهواة وكوّن المئات من الشباب. رحل الفنان محبوب اسطمبولي في السادس من جانفي 2002، مخلّفا رصيدا فنيا كبيرا في مختلف مجالات الفن والإبداع، وقصائده لا تزال تردّد حتى الآن، وكذا أعماله المسرحية.