بمناسبة شهر رمضان المعظم افتتحت مؤسسة الشروق موسمها بتنظيم ندوة تكريمية خاصة بفضيلة الشيخ "عبد الرحمان الجيلالي"، العالم والمفكر والمؤرخ الكبير الذي أطفأ هذه السنة شمعته المائة، وقد نشط الندوة التي أقيمت بمقر الجريدة الشيخ عبد الرحمان شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والدكتور أبو عمران الشيخ رئيس المجلس الإسلامي الأعلى والأستاذ محمد الهادي الحسني. * *مشروع لجمع ونشر فتاوى الشيخ بالاشتراك مع المجلس الإسلامي الأعلى * * وفي الكلمة الافتتاحية رحب الأستاذ علي فضيل مدير الشروق بضيوفه وعبر عن سعادته وسعادة طاقم الجريدة بتكريم هذا العالم الجليل الذي أفنى حياته في تعليم الناس أصول دينهم ودنياهم حتى أصبح مرجعا لا يمكن الاستغناء عنه في أمور الشرع والتاريخ. * وبتواضع العلماء الكبار وكان باديا عليه التأثر الشديد، تناول الشيخ عبد الرحمان الجيلالي الكلمة، فقال عن نفسه إنه شخص جزائري عادي بسيط ولا يستحق هذا التكريم الكبير، كما عبر عن إعجابه بتسمية "الشروق"، فوصفها بأحلى الصفات ودعا لها بالاستمرارية ودوام التألق، ثم عبر عن ابتهاجه الشديد وهو يحظى بهذا الفضل، ودعا للجزائر والجزائريين في شهر رمضان المعظم بالخير وأن ينتشر بينهم الإحسان، لأنه بوابة الخير كله. * وتحدث الشيخ عبد الرحمان شيبان في مداخلته عن علاقته القوية مع الشيخ عبد الرحمان الجيلالي التي تمتد لأكثر من نصف قرن. وبحكم عشرته الطويلة له وجد فيه الإنسان الصادق المتواضع والعالم الجاد، ووصفه بامتلاك الفضائل في شتى الميادين الدينية والفكرية والأدبية، كما أشار إلى شدة احترام الشيخ الجيلالي للعلماء وتقديره وتبجيله لهم، كما أكد أنه دائم الدفاع عن اللغة العربية والإسلام وشبه مجهوده بمجهود الشيخ "مبارك الميلي". * من جهته، عبر الدكتور أبو عمران الشيخ عن شكره للشروق التي كرمت هذا العالم الجليل، كما تحدث عن العلاقة التي تربطه بالشيخ التي تعود لسنوات طويلة، وقال إن المدة التي قضاها الشيخ عبد الرحمان الجيلالي في حلقات المساجد تلميذا ومدرسا أكثر بكثير من المدة التي يقضيها الدكاترة في جامعاتهم، وهو يستحق على ذلك ثلاث شهادات دوكتوراه. * أما الشيخ محمد الهادي الحسني، فقد تحدث بإسهاب عن فضل هذا العالم الجليل في تنوير عقول الناس على مدار سنوات طويلة، واقترح على مدير الشروق أن تقوم بجمع ونشر فتاوى الشيخ، فقبل ذلك مدير الشروق. * من جهته، طلب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى أن يكون النشر مشتركا. وانتهت الندوة بالتقاط طاقم الشروق صورا تذكارية مع فضيلة الشيخ. * * أبوعمران الشيخ رئيس المجلس الإسلامي الأعلى: "الجيلالي يستحق دكتوراه في الفقه وأخرى في الأدب وأخرى في التاريخ" * قال أمس، أبو عمران الشيخ رئيس المجلس الإسلامي الأعلى إن الشيخ عبد الرحمن الجيلالي يستحق ثلاث دكتورات، الأولى في الفقه والثانية في الأدب والثالثة في التاريخ لإتقانه وإبحاره المتعمق في هذه العلوم الثلاثة. وأشار أبوعمران إلى ضرورة مواصلة الجيل الحالي جهاد القلم والكلمة الذي أسس له مشايخنا أمثال ابن باديس والجيلالي. * وذكر أبوعمران الشيخ أنه داوم على الاستماع لفتاوى الشيخ عبد الرحمن الجيلالي ودروسه منذ سنة 1948، مؤكدا أنه تأثر بأسلوبه ومنهجه الخاص به والمتميز ب"الدقة والاختصار" وأضاف أنه استفاد من دروسه التي يلقيها عبر أثير الإذاعة أكثر مما تعلمه وهو يتتلمذ على يده مباشرة في المعاهد والحلقات، مشيدا بالاختيار الذكي للشيخ الجيلالي بإلقاء دروسه عبر وسيلة إعلامية لتعميم الفائدة. * ودعا رئيس المجلس الإسلامي الأعلى إلى ضرورة التعريف بعلماء ومشايخ الجزائر من خلال تكريمهم وإعادة طبع كتبهم ونشر مقالاتهم وآرائهم على صفحات الجرائد لتعميم الفائدة، مؤكدا أن الشيخ عبد الرحمن الجيلالي ونشر علمه عبر كامل التراب الوطني ووصلت فوائده وحكمه إلى جميع الجزائريين وغير الجزائريين بفضل وسائل الإعلام التي لها تأثير كبير على المتلقين، فضلا عن إيصالها للرسالة للملايين في وقت واحد. * وأوضح أبوعمران أن للشيخ الجيلالي جهودا كبيرة في مجال التاريخ أثمرت لنا كتاب "تاريخ الجزائر العام" الذي أنقذنا من سموم المشرقين وكتاباتهم التي غزت الجامعات والمعاهد والمكتبات الجزائرية والعربية، وشكر ذات المتحدث الشيخ الجيلالي على مساعدته له في بداية مشواره العلمي في دراسة حول "أحمد بن شنب" أول جزائري تحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الإنسانية حيث وجدت عنده دراسة شاملة لسيرة هذا الدكتور "بن شنب" الذي وافته المنية في 1929. * ووصف أبوعمران الشيخ الجيلالي بالعالم الكبير المتواضع غير المتكبر، وهذا ليس غريبا عنه، على حد تعبير ذات المتحدث، الذي أكد أن على وسائل الإعلام والسلطات مسؤولية تكريم والتعريف بهؤلاء الرموز والشموع. * * قال إن عبد الرحمان شخص عادي لا يستحق التكريم: "الجيلالي يرتدي برنوس الشروق" * استقبل الشيخ عبد الرحمن الجيلالي خبر تكريم الشروق اليومي بكل دهشة، مبديا تواضعه وبساطة شخصه عن استحقاق هذا التكريم، مثنيا في الوقت ذاته عن هذه الالتفاتة من الجريدة ووصفها بالنظرية الرفيعة. * شكر الشيخ عبد الرحمن الجيلالي المدير العام للشروق اليومي علي فضيل على التفاتته الطيبة وعزمه على تكريمه، قائلا بلسان العلامة المتواضع: "أنا لا أستحق هذا التكريم، فعبد الرحمن شخص عادي، مسلم مؤمن ليس له أي امتياز". * وقد بادر المدير العام والشيخ عبد الرحمن شيبان إلى إلباسه "برنوس" هدية من الشروق مع مجموعة من الهدايا. وقال "أنا الذي جئت لأكرمكم وأكرم الجريدة"، ودعا لها بمزيد من النجاح والرفعة وأن يزيدها الله من التألق والإشراق ما لا نهاية له. ودعا الشيخ للشعب الجزائري بالهناء والعافية والسلام والهدوء والاستقامة، ووصف تكريم الشروق بالإحسان الذي لا يصدر إلا من أشخاص محسنين. وقد جاء هذا التكريم على خلفية بلوغ الشيخ سن المائة، حيث ارتأت الجريدة جمعه بثلة من المشايخ والأساتذة وبقية من رفاق دربه في النضال بالقلم والكلمة. * * الشيخ عبد الرحمن شيبان : "من خدموا الجزائر يهمشون.. ويُكرم من خذلوا البلاد" * قدم أمس، الشيخ عبد الرحمن شيبان، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ووزير الشؤون الدينية الأسبق، صورة رمزية على العلامة الداعية الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، معددا المناقب والمواقف التي ميّزت حياة الشيخ، متأسفا في الوقت ذاته عن تهميش العلماء ورموز الأمة وتكريم من خذلوا البلاد وخانوها. * وقال الشيخ عبد الرحمن شيبان إن العلامة الشيخ عبد الرحمن الجيلالي هو شخصية لها فضائل كثيرة في مجالات مختلفة، مضيفا أنه أديب ومؤرخ وفقيه ومن الناحية الاجتماعية، فهو مثقف ومعلم ومرشد، أما من الناحية الدينية، فهو متق لله وعامل بسنة المصطفى وصالح ومصلح ونصوح للأمة ومن الناحية السلوكية، فهو لطيف يؤلف، على حد تعبير الشيخ شيبان، الذي أشار إلى أن الشيخ كان طول حياته مؤيدا للخير ومنبها للخطأ أي كان مصدره. * وسرد رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حادثة جمعته مع الشيخ الجيلالي، حيث بعد أن نشر الشيخ شيبان مقالا في جريدة البصائر سنة 1948 تحت عنوان "الإسلام شريعة الجهاد والاجتهاد"، داعيا فيه للجهاد ورافضا للإدماج إبان الثورة التحريرية ليسانده الشيخ الجيلالي بمقال نشر في العدد الموالي يدعم فكرة الشيخ شيبان وينبهه لضعف سند حديث نبوي استشهد به الشيخ شيبان في مقاله، مشيرا إلى الناس الذين خدموا الجزائر في ذاك الوقت مهمشين، في حين يُكرم اليوم من خذلوا البلاد في أوقات المحن. * * علي فضيل: "لابد من إبراز الجوانب غير المعروفة للشيخ الجيلالي" * عبّر المدير العام لمؤسسة الشروق الأستاذ علي فضيل في كلمته الافتتاحية عن فرحته وفرحة كل طاقم "الشروق اليومي" باستضافة علماء الجزائر الأجلاء في مقر الجريدة، كما عبر عن عميق سعادته وهو يستقبل الشيخ عبد الرحمان الجيلالي، فقال إنه بركة ورمز شامخ من رموز الجزائر الخالدين، لأنه قضى حياته ينفع الجزائريين بعلمه ويفقههم في شؤون دينهم ودنياهم وفق أصول الشرع السليم المعتدل الخالي من التعصب، كما ساهم بشكل كبير في تنمية الوعي الديني لدى المواطنين الجزائريين في كل مناطق الوطن. * وعاد السيد المدير إلى الوراء عند سنوات الخمسينيات والستينيات، حيث تتلمذ الناس على يدي الشيخ عبد الرحمان الجيلالي من خلال سماعهم الدائم لبرامجه الإذاعية الهادفة، فدخل قلوبهم وأنارعقولهم، واستطاع أن يحول الإذاعة إلى مدرسة للتربية والتوجيه، وقال أيضا إن أبناء جيله كانوا يتشوقون لسماع صوته الجهوري المتميز مثل شوقهم لظهوره في ليلة ترصد هلال رمضان حتى أصبح جزء من مخيال الجزائر الثقافي. * وفي ختام كلمته ألح على ضرورة الكشف عن الجوانب غير المعروفة في حياة الشيخ عبد الرحمان الجيلالي وأن يتناوله الدارسون بالبحث وأن يعرّف الإعلام به وبفكره وإرثه الثمين حتى تتناقله الأجيال وتنتفع به. * * محمد الهادي الحسني: الشيخ كتب "تاريخ الجزائر" لأنه رأى فيه نوعا من الجهاد * أشاد محمد الهادي الحسني بالشيخ عبد الرحمن محمد الجيلالي الذي عرفه من خلال كتابه "تاريخ الجزائر" قبل أن يعرفه عام 1970 بجامعة الجزائر. * وكان أول موضوع ناقشه معه هو حقيقة فقدان الذاكرة الذي أصاب الشيخ عبد الحليم بن سماية، حيث أخبره أنه كان يفتعل تلك اللوثة (الحالة) حتى لا تطاله يد السلطات الفرنسية لأنه كان يؤذيها بلسانه، خاصة لأنه كان يشيد بثورة عبد الكريم الخطابي بالمغرب، وكان يتمنى امتدادها إلى تونسوالجزائر. * وقال الأستاذ إن تاريخ الشيخ في كتابه المشهور "تاريخ الجزائر" هو عمل تنوء به العصبة أولي القوة، خاصة وأنه تناوله بكل عمق ولم يكتف فيه بتاريخ الناحية السياسية للجزائر بل كان يختم كل مرحلة بالمشاهير الذين عاشوا فيها. * ورد الدكتور عن بعض المغرضين الذين انتقدوا كتابة الشيخ للتاريخ وهو ليس من المؤرخين بأن أغلب من كتبوا التاريخ في العالم لم يكونوا من المؤرخين، وقال إن الشيخ كتب تاريخ الجزائر وحمل نفسه ما لا طاقة له به لأنه كان يراه نوعا من الجهاد. * وكان للدكتور الفضل في إعادة طبع الكتاب مرة أخرى بدار الأمة، قائلا أحمد الله أنني كنت همزة وصل بين الشيخ ورئيس دار النشر. * وختم في الأخير حديثه عن مناقب الشيخ أنه لبى رغبة زوجته الفاضلة في التكتم على دورها الكبير في تأليف كتاب تاريخ الجزائر، كخطوة من خطوات التواضع ونكران الذات ولم يفصح عنه إلا بعد وفاتها.