" و تلك الأيام نداولها بين الناس " ، أيام الشادلي رئيسا أمس، و الشادلي مودّعا اليوم ، ابن هذا الوطن ، و أخ هذا الجمهور الغفير الذي جاءه اليوم ليثني عليه، جاءوه من كل حدب و صوب معلنين و مؤكدين " افتقدنا واحدا من أعزائنا، وركيزة من ركائزنا، ولكنه لم يذهب سدى ولم يضع " . في مقام مثل هذا ، و نحن نشهد فقيدنا و هو يرجع إلى ربّه ، نستذكر كلّنا مقولة " إن العين تدمع والقلب يخشع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا" ، فلقد خسرت الجزائر .. والعالَمان العربي والإسلامي .. بغياب عظيم من عظماء الجزائر ، مثالاً في المسؤولية والإلتزام بهموم شعبه وأمّته ، ولقد خسر محبوه الثّقة والأمل التي كان يبثّها في نفوسهم من خلال أدائه الرّفيع للمسؤولية الممزوجة بإنسانية عالية وإيمان عميق ، لقد كان الرّاحل الكبير، مدرسة في ولاية العهد وصون العهد ، و هو الذي قال ذات يوم " ضميري أحسن من كرسي الرئاسة " . أكيد أننا اليوم نستحضر معا تلك المسيرة الطّويلة الحافلة بالإنجازات الوطنية والإنسانية والعربية والإسلامية .. و إذ نؤبن اليوم وجهاً من وجوهِ الجزائر الثورة ، جزائر البناء ، رجل بان جوهرَهُ السياسي وتعبيراته عن توق ِ الجزائريين لمشارفةِ الأمل ِ في ان تكونَ الجزائر ديمقراطية . من تعرفَ عليهِ شخّصَ فيهِ الولاءَ للجزائر و فقط ، بغض النظر ِ عمّا كان يرى من التباساتِ وتباينات، وما يتلمسُ من مصاعبَ وتعقيداتٍ تشذ ُ عن السياق ِ ، و لقد حرصَ على ان ينأىَ بنفسهِ عن التحزبِ والولاءِ لغير ِ وطنه، كما حرصَ على التأكيدِ على ما هو ايجابي في المشهدِ السياسي، مُثيراً في مخاطبيهِ الثقة َ بمستقبل ِ البلاد ، وقد كانَ الفقيدُ حسب مقرّبيه مثالاً يقتدى به وهو يسعى لإظهار ِ ما هو إيجابيٌ في عمليةِ إعادةِ بناءِ الوطن، من دون ِ ان يكونَ مُلزَماً بتبرير ِ الاخطاءِ والخطايا او اعتمادِها مادة ً للنشاطِ الدبلوماسي ، لقد رحلَ الشادلي بن جديد وتركَ اثراً ايجابياً انعكسَ في الصدمةِ التي فاجأ بها زملاءَهُ وأصدقاءَهُ ومحبيهِ برحيله. ، أغمض عينيه للأبد وانتقل إلى الدار الآخرة ، في ليلة اختارها له الباريء " و كل إلى ربنا منقلبون ". رحلت يا من اعتبرناك في زمن غير بعيد والدنا جميعا,, يارجلا شهدت له السنوات والزمن برموز العطاء والحب ، و اليوم ترحل تاركا دموع محبيك تبكي على ذكراك .. ، رحلَت روحك عن أهلك وبيتك , تركتنا مع عيون وقلوب ترثيك بوداع لا رجعة فيه إلا ماشاء الله وبإذن الله في جنة الخلد ، أراهم اليوم في حزن وكأنهم ابناؤك ، بلا شك لأنك كنت تعاملهم حقا كأبنائك، ولم يأت ذلك بعدما بدأ الوهن ينال من جسدك، وانما كان هذا نهجك في اوج صحتك وعنفوانها، اي طيلة حياتك الغنية بالرحمة والقيم الانسانية. و المئات تشيّعك اليوم في مربّع الأحياء عند ربّهم يرزقون ، سنبقى دائما في اشد الحاجة إليك ، حان الرحيل و الجزائر أيضا بأمس الحاجة لقيمك الإنسانية الوطنية الوحدوية، وطهارتك ونزاهتك ودورك الوطني والاجتماعي من أجل الحرية والاستقلال وبناء المجتمع الديمقراطي.... صمت ، خشوع ، فاتحة ، دعاء ، و تستمر الحياة .