يحيي الشعب الجزائري غدا ذكرى خالدة عظيمة تتمثل في وفاة زعيمه الكبير الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله وطيب ثراه. والوقوف عند هاته الذكرى يحتم علينا العودة إلى الماضي الذي كنا فيه امة مهابة مرهوبة الجانب يحسب لها ألف حساب من الأصدقاء والأعداء على حد سواء. كنا امة تعطي كل شيء للجزائر ولا تطلب أي شيء، فحينما ألقى الوزير الأول احمد اويحيى كلمته الأخيرة أمام مجلس الأمة حول بيان السياسة العامة للحكومة، توقفت عند جملة مهمة قالها، وهي أن الشعب الجزائري سيأتي عليه يوم ليقول لنفسه ماذا سأقدم للجزائر؟ تماما كما يفعل الأمريكيون وهي جملة للرئيس الأمريكي جون كندي، لها أبعاد ذكية تحمل الكثير من عبارات الوطنية الصادقة، ولكن استسمح السيد الوزير الأول لأقول أن الشعب الجزائري العظيم قد فعل هذا أيام الثورة المباركة وعمل ذلك في وقت الرئيس الراحل هواري بومدين، حيث كان الشعب يتطوع في سبيل البناء والاعمار أكثر مما يعمل لحسابه الخاص، ولنا في السد الأخضر وبناء ألف قرية اشتراكية أحسن مثال على ذلك، لان هذين الانجازين العظيمين لم يدخلا سوق المناقصة وإنما الشعب الجزائري وبمساعدة أبنائه في الجيش الوطني الشعبي الباسل هو من أنجز ذلك. وفي زمن الرئيس الراحل هواري بومدين الذي عشنا فترته بكل اعتزاز وافتخار لم تكن لنا مطالب اجتماعية أو سياسية أو فكرية بالرغم من أننا كنا محتاجين لكل شيء بحكم خروجنا للتو من دائرة الاستعمار القذر الذي دمر وقتل وأحرق كل شيء، كان مطلبنا الوحيد هو إعلاء راية الجزائر وجعلها خفاقة تعلو رايات الأمم الأخرى، وهو ما سعى الراحل إلى تجسيده، حيث كان يتحدى العالم بشعب لا يملك من الإمكانيات عدا الروح الوطنية الصادقة، والولاء للجزائر ولقيادتها قلبا وقالبا، إذ أن الجزائر في عهده لم تكن قوة عسكرية أو نمرا اقتصاديا، ولكن بفضل الروح الوطنية استطاع الرجل أن يفرض قرارات الجزائر الشجاعة على العرب كما على العجم بكل احترام ووقار، فكانت الجزائر الملاذ الأمن لكل الأحرار والشرفاء في العالم وكانت البيت الدافئ الذي يحتمي فيه كل الضعفاء ليس بإمكانياتها وإنما بمواقفها الشجاعة فكانت الداعمة والعاضدة لكل الشعوب المستعمرة في مشارق الأرض ومغاربها لا فرق لديها بين العربي وغير العربي وبين المسلم أو المسيحي كان همها الوحيد الإنسان والدفاع عن الآدمية في عالم كان يتغنى بالحقوق الفردية ولكنه لا يعرف شيئا عن حقوق الشعوب التي كانت الجزائر في الصف الأول مدافعة عنها بالرغم من إمكانياتها البسيطة والبدائية. أما على المستوى الداخلي، فان الرئيس الراحل عمل بنفسه على زرع مبادئ حب الوطن في أوساط الشعب الجزائري ليس بواسطة وسائل الإعلام أو الدعاية الكاذبة لان الجزائر في ذلك الوقت لم تكن تملك تلك الوسائل وإنما عمل على تربية الشعب وتعليمه مبادئ القناعة بالقليل، حيث لم يكن الشعب يطالب الدولة بأي شيء كما نراه اليوم وللأسف، حيث أصبحنا نشاهد أنفسنا ونحن نتسول من الدولة كل شيء ولا نفعل أي شيء حيث أصبحنا نطالب الدولة بأشياء ما انزل الله بها من سلطان، حيث أصبح الشباب يضغط على السلطات لكي تقعده وتنومه وتؤكله وتحممه وترضعه تماما كالوليد وإلا سيحرق العجلات ويقطع الطرق ويتحدى الأجهزة، على العكس من ذلك لم نشهد في فترة الراحل هواري بومدين خروج أي كان للشارع لتحدي السلطات بالرغم من أن الكل كان محتاجا لأبسط الأمور وهذا ما أردنا الوصول إليه في هذا الإطار، لقد كانت المشاكل هي ذاتها وكانت المعيشة جد متدنية إذ لم يكن الشعب الجزائري يتمتع بعشر ما يتمتع به اليوم من خيرات ولكن لم نشهد أية احتجاجات أو ثورات أو عبارات تسب الدولة أو تقدح في مسؤوليها عدا كلمة "لبيك يا وطني". وفي حقيقة الأمر أن ما نعيشه اليوم من بعض الاهتزازات المفتعلة وغير المبررة ليس مرده إلى الحاجة أو الفاقة وإنما إلى انعدام القناعة التي أصبحت تميز شبابنا بحكم العولمة وتطور وسائل الاتصال الخداعة والهدامة، فالجزائر اليوم بألف خير من حيث الإمكانيات التي جسدها رفقاء الراحل هواري بومدين وعلى رأسهم رفيق دربه السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي حافظ على مشعل الوطنية الذي تركه الراحل أمانة. حيث أعاد للجزائر مكانتها بين الأمم والشعوب من خلال فك الحصار الذي كان مضروبا ومفروضا عليها منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي وأعاد الأمن والسكينة لهذا الوطن من خلال إقدامه وبكل شجاعة ومسؤولية على تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وكذا إخراج الجزائر من دائرة المديونية اللعينة التي أعطاها أولوية الأولويات في سياسته الاقتصادية إضافة إلى إقدامه على تنفيذ 3 مخططات خماسية عملاقة ستخرج هذا الوطن لا محالة من كل المشاكل والعوائق بحلول سنة 2014 وستجعل من الجزائر جنة العالم الثالث. وعليه فان المحافظة على هاته المكاسب تقتضي منا العودة إلى تلك الروح الوطنية التي أوصى الراحل هواري بومدين بالمحافظة عليها وذلك بمساعدة السلطات في كل أمر من شانه أن يساهم في رفعة وعزة هذا الوطن والابتعاد قدر الإمكان عن الأكاذيب والدعايات المغرضة التي تصدرها أطراف لا تريد لهذا الوطن خيرا لان شعبا لا يحترم قيادته هو شعب لا ينتظر منه خير.