غزا الإسمنت المسلح عاصمة الواحات ورقلة، التي لا تزال توصف بجنة الواحات رغم الغزو المفروض عليها من قبل "بارونات" الثراء ومقاولي الربح السريع، حيث يسعى هؤلاء ل "برمجة" عملية تقتيل تهدف إلى القضاء على أشجار النخيل برمي الطمي ومخلفات التهديم إلى جانب النفايات وسط جنان إنتاج التمور، ولم تسلم واحات النخيل من عمليات الحرق أيضا، وذلك كله في عملية تمهيدية هدفها الرئيسي هو توفير مساحات لبناء سكنات ومحلات تجارية في إطار التوسع "العشوائي". يخيل لزائر مدينة ورڤلة مرورا بتڤرت، بأن واحات النخيل تحظى باهتمام بالغ يقابل صيتها، غير أن ولوج المدينة والإشراف على حوافها يترك انطباعا يحمل سمات الأسى والتحسر لأن معاناة أشجار النخيل ظاهرة للعيان، وتوحي أنه، بعد سنوات قليلة، سيكون مصير جنة الواحات الزوال لا محالة في ظل تماطل السلطات المحلية و"نومها على أذنيها". وتظهر أكوام مترامية هنا وهناك بين الجنان، لطمي ومخلفات البناء، إضافة إلى النفايات التي تزيد في الوضع السلبي ديكورا لا يتناسق إطلاقا مع التزامات وزارة البيئة تجاه تهيئة الإقليم والحفاظ عليه. وأفاد سكان المنطقة في حديثنا معهم، أن "بارونات" وراء عملية "تصحير" جنان النخيل، لاستبدال مساحاتها ببنايات إسمنتية بغية "توفير" فضاءات تجارية لاستغلال أهمية الواجهة على أطراف المدينة، وإنجاز حظائر لمعدات خاصة بالأشغال التي يملكها بعض الخواص، في الطريق المؤدي إلى حاسي مسعود في مخرج المدينة. وتبقى الغلافات المالية التي خصصتها الدولة للولاية غير مترجمة في الواقع، إذ تقدر بقرابة 2.3 مليار دولار في إطار البرامج التنموية، وكانت حصة برنامج دعم النمو من 2005 لغاية 2009 أكثر من 18 مليار دينار، وبرنامج تنمية ولايات الجنوب أكثر من 72 مليار دينار منها 50 مليار دج خصصت للمدينة الجديدة حاسي مسعود. فيما كانت السلطات قد خصصت مائة وثمانية وستين مليار سنتيم في سنة 1999 ليرتفع المبلغ سنويا وتدريجيا لغاية الوصول إلى أكثر من ألفين وخمسمائة وثمانين مليار سنتيم سنة 2006، ونصف المبلغ في 2007، وبمجموع 7 آلاف مليار سنتيم على مدى السنوات الثماني الماضية. الفلاحة مؤجلة إلى حين .. هذا، وتعيش الواحات وضعا مترديا، في حين حصلت الصناديق التابعة لقطاع الفلاحة على أكثر من 2 مليار دج، باستثناء بعض الواحات بصحراء الولاية، والتي عانى بعضها الآخر من أزمة المياه المالحة التي تكتشف بعد حفر الآبار ولا تساعد على النمو السليم للنخيل. وفي هذا الجانب خصص مبلغ أربعة ملايير سنتيم لإنجاز 10 محطات لتحلية المياه، كما حصلت الولاية على مشروع ممركز التسيير الخاص بحماية حوض ورڤلة من آثار ظاهرة صعود المياه بقيمة تفوق 21 مليار سنتيم. وتتضارب التصريحات بالولاية، بين مسؤولي القطاع الفلاحي والسكان عن أسباب التردي، حيث رصد لدعم القطاع الفلاحي 143 مليار سنتيم، حيث يحمل المسؤولون بالولاية، شباب المنطقة مسؤولية معاناة قطاع الفلاحة بحجة "عزوف هؤلاء عن الاشتغال في مهنة الفلاحة"، ويمكن القول أن شباب المنطقة الذي تلازمه "عقدة" العمل بحقول النفط بحاسي مسعود على حساب النشاط الفلاحي، قد يضيع في كثير من الأحيان كل فرصه، ويلجأ البعض منهم إلى الاندماج بعصابات تهريب السجائر والنشاط المشبوه. وتشير المصالح الفلاحية، في تقريرها، إلى تطور المساحة الصالحة للزراعة بمعدل 671 هكتار في السنة، غير أن ذات الأمر لا ينعكس في واقع الميدان على دائرة ورڤلة، ولا حتى باقي الدوائر: انقوسة، البرمة، تڤرت، الحجيرة، المقارين، سيدي خويلد، الطيبات وتماسين، في وقت تشهد الولايتان المجاورتان بسكرة والوادي تنمية معتبرة لحد تصدير التمور إلى تونس إضافة إلى التزويد بالحليب، والاكتفاء ذاتيا بمنتوج البطاطا، وازدهار إنتاج زيت الزيتون المتواجدة محاصيله كذلك بمنطقة المنيعة. ويشير التقريران الموجودان بحوزتنا لسنتي 2005 و2006 والمنجزان من طرف الأمانة العامة لولاية ورڤلة، إلى تحسن ملحوظ في الإنتاج الفلاحي.. ولكن الواقع يبيّن أن الفلاحة لم تؤت أكلها، وبقيت ورڤلة في قضية الاكتفاء بالخضروات تنتظر التزويد بالشاحنات القادمة من ولايات الشمال. وتطالب الجمعيات الناشطة في قطاع الفلاحة، بحل ثلاث اشكاليات رئيسية تخص التأخر في عقود الامتياز، الآبار المهجورة (143 بئر فلاحية هجرها المستفيدون) ونقص دعم البيوت البلاستيكية والتي يقدر عددها بأكثر من 3000 بيت بلاستيكي. ويناشد الفلاحون السلطات العمومية خفض معدل الارتفاع المذهل لتسعيرة الكهرباء، وهذه النقطة الأخيرة عرفت مؤخرا قرارا حكوميا يقضي بخفض الأسعار لفائدة مواطني الجنوب في عشر ولايات، غير أن الفلاحين استاءوا لاستثنائهم من التشريع الجديد. هذا، وأضحت الحرائق مهددا إضافيا لواحات النخيل تزامنا مع شهري جويلية وأوت من كل سنة، وتسجل مصالح الحماية المدنية إشكالية ولوج جنان النخيل، أثناء اندلاع الحرائق التي أتلفت أكثر من خمسة آلاف نخلة، بسبب ضيق الممرات في واحات النخيل والمسالك المؤدية إلى باقي الجنان، وعلى سبيل المثال فقد أحرقت قرابة ألفين نخلة في آن واحد سنة 2007، بمنطقة بني إبراهيم بالقرب من القصر العتيق. مصنع فرز التمور .. الحلم المعلق على الصعيد نفسه، يتساءل الورڤليون عن مصير مصنع فرز التمور الذي يعتبر في حقيقة الأمر مكسبا للولاية من شأنه توفير اليد العاملة وإنعاش المنطقة، في وقت قدرت السلطات المحلية تطور عدد أشجار النخيل من مليون و884 ألف نخلة سنة 2000 إلى مليونين و224، و300 نخلة سنة 2005، والإنتاج بالقنطار 461930 من دڤلة نور سنة 2004 و548608 قنطار سنة 2005، بزيادة نسبتها 19 بالمائة في الإنتاج و3 بالمائة في عدد النخيل المنتجة للنوع نفسه. أما منتوج الغرس فقدر ب 197530 قنطار في 2004 و249571 قنطار في 2005 بزيادة 25 بالمائة، و147347 قنطار من الأنواع الأخرى بمجموع 972526 قنطار لسنة 2005 بزيادة 25 بالمائة، حسب أرقام التقريرين. هذا، وتمت معالجة أكثر من 380 ألف نخلة من البوفروة، يضاف إلى ذلك أرقام إنتاج الزراعات المحمية والزراعات الأخرى كالتوابل والأعلاف التي تنتجها محاصيل المنطقة، مع غرس 250 هكتار من الأشجار المثمرة والجبار، وشريط أخضر على مساحة 55 هكتار.
خطر آخر .. اسمه الخنزير قد يستغرب البعض حينما يسمع عن وجود ظاهرة تجول الخنازير بالصحراء، غير أن هذه حقيقة اكتشفناها، خلال تجوالنا بالمنطقة، حيث فاجأتنا عندما وجدنا لافتة طريق تبدو حديثة التنصيب تشير إلى أن منطقة الواحات تحتوي على حيوان الخنزير. وقد أحصت المصالح الولائية وجود أكثر من 5 آلاف رأس خنزير، غير أنه لم توضع استراتيجية لمحاربتها باعتبارها خطرا حقيقيا على الفلاح والفلاحة، وأصبح الفلاح - الذي لديه الحق 18 ساعة عقب صلاة المغرب لسقي منتوجه من النخيل- يتخوف من الذهاب إلى محصوله بسبب الخنزير، حسب اعترافات تلقيناها من العديد من الفلاحين. عبث بقدسية أماكن العبادة .. ... بيوت الله هي الأخرى لم تسلم من عبث "الفوضى المعمارية" التي شوهت المنظر العام وخنقت المساجد بسبب تلك المحلات التجارية.. المتجول عبر شوارع مدينة ورڤلة يكتشف حالات تعد صارخ على المساجد، إذ لم تقتصر أثار التخريب على واحات النخيل لوحدها بل امتد الأمر لبيوت الله، ويظهر ذلك الاعتداء جليا بمسجد السلام بحي 460 مسكن والذي يحتوي على أكثر من 15 محلا تجاريا مقابل محطة نقل المسافرين، وأفادت مصادر مطلعة وموثوقة أن هناك صراعا دائرا داخل اللجنة الدينية للمسجد حول تسيير هذه المحلات وطرق تحصيل أموالها، فيما رفعت الجمعية الجديدة دعوى قضائية في وقت سابق، ضد مديرية الشؤون الدينية لرفضها الاعتماد. وقد أوضح نائب مدير الشؤون الدينية وفي اتصال هاتفي معه، أن اللجنة خسرت الدعوى القضائية. وتشكل المحلات التجارية بمسجد مسروق بلحاج عيسى بوسط المدينة مقابل مقر الأروقة سابقا فضيحة أخرى، حيث هدم جزء من جدار ساحة المسجد وأقيمت المحلات على نوافذه، وتوضح الصورة صومعة لمسجد واجهته عبارة عن محلات للتسوق، فأين هو الطابع الحضري لمساجد الجمهورية - بيوت الله- وقال نائب مدير الشؤون الدينية إن المحلات وقف للشؤون الدينية وأن اللجنة هي المشرف على البناء "وستوضع عقود للمستأجرين على أن تعود الأموال للأوقاف". مسجد علي بن أبي طالب ببني ثور يعيش الوضع نفسه، حيث يرفض أصحاب المحلات إخلاءها رغم مساعي اللجنة الدينية التي ترغب في توسيعه، وتحويله إلى مسجد تقام فيه صلاة الجمعة. وعن موقف مديرية الشؤون الدينية من تلك المحلات، رد مدير القطاع بالولاية على استفسارنا أن المشروع لم ينجز في عهدته، وحاول التأكيد على أن هناك جهات تقنية مختصة لمتابعة المشروع، وتعتبر ذات الجهات أن المحلات تدر الفائدة التجارية. عملية الغش في الإنجاز واضحة في أشغال المسجد العتيق الذي يتوسط المدينة "علي الصديق" -أبي ذر الغفاري العتيق- الذي صرف عليه أكثر من مليار سنتيم، وحتى بالنسبة لنافورة تدفق المياه بساحة المسجد معداتها لم يظهر عليها اثر في الميدان، إلى جانب انقلاع البلاط المنجز حديثا. ووجد المشرفون على المسجد أنفسهم أمام إعادة الأشغال مجددا بطلب الإعانات من المحسنين، بعدما تحدثنا إليهم، وعن هذه الأخيرة قال مدير الشؤون الدينية أن ظاهرة انقلاع بلاط مسجد "علي الصديق" سببه صعود المياه، معتبرا أن عدة مساجد بورڤلة معرضة لنفس الظاهرة؟ وهي الظاهرة التي تسببت حسب المتحدث، كذلك في الوضع المزري لدور المياه بقاعات الوضوء، والتي تآكلت جدرانها؟ في حين أطراف أخرى تتحدث عن عمليات غش تتطلب التحقيق من الجهات الوصية لإثباتها، على اعتبار أن مساجد أخرى لم تشهد نفس الظاهرة. معلم تاريخي في طريق الزوال.. برج بن صافي الموجود في قصر الرويسات وهو المدخل في باب الصوان يعتبر معلما تاريخيا بمنطقة ورڤلة، تحته الدهليز كمخبأ للأهالي إبان ثورة محمد بن عبد الله سنة 1852، هذا الأخير اجتمع مع الأهالي المناهضين للمستعمر الفرنسي في ذات المعلم، حتى المقراني عند زيارته إلى ورڤلة زار المكان وأقام فيه في نهاية ثورته التي اندلعت سنة 1871، ويؤكد سكان المنطقة أن ذلك كان في حوالي سنة 1875. وقال صاحب الملكية، بشير عياض، في حديث معه، أن السلطات تحاول نزع الملكية منه بحجة "إنجاز مشروع لفائدة المصلحة العامة"، وأن المكان عبارة عن مساحة لا تتجاوز مسكن لأربعة غرف مما يجعله غير صالح لمشروع ذات أهمية، يضيف صاحب المنزل "المعلم"، موضحا أن الأمر فيه تعسف، وأن المنزل بصفته معلما تاريخيا كان الأجدر أن يرمم ويبقى ملكية عامة تدرج في سياق التراث الجزائري لحقبة تاريخية معينة.