المغرب أخطا لما أغلق سفارته يوم واحدا بعد طردنا للسفير الإسرائيلي برزت فنزويلا في عهد رئيسها هيقو شافيز كدولة صاحبة مواقف داعمة لحق الشعوب في تقرير مصيرها وضد سياسة الاحتلال ولم تبق تلك المواقف حبيسة الخطب والشعارات الرنانة وإنما ترجمتها إلى ممارسات فعلية كان آخرها طرد السفير الاسرائيلى من العاصمة الفنيزويلية كركاس بعد العدوان الغاشم على عزة، حيث لم ينتظر الرئيس شافيز البيانات الختامية للقمم ولا الدعوات العربية الغائبة أصلا للتضامن مع فلسطين الجريحة، كما كانت له مواقف واضحة إزاء الاحتلال المغربي للصحراء الغربية. ولتقريب صورة هذا البلد البعيد جغرافيا عن الجزائر القريب منها من حيث مقاومة الظلم إقتربنا من سفير فنزويلا في الجزائر هكتور ميشال موجيكا ريكاردو وأجرينا معه هذا الحوار المستقبل: بعد مرور 3 سنوات على تعيينكم في الجزائر، ماهو انطباعكم ؟ السفير الفينزويلي: أصدقك القول بأنّني تكيّفت سريعا مع هذا البلد العظيم ولقد وصلت في أفريل 2006 وقدمت رسائل الاعتماد في الثلاثين من نفس الشهر للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وفي شهر ماي 2006 حل الرئيس شافيز بالجزائر في زيارة رسمية، ما سمح لي أن ألتقي بعدة شخصيات وأتعرف إلى الكثير من الناس وهذه الأسباب جعلتني أتكيف بسرعة وكأنني في بلدي. وما انبهرت به هو المستوى الثقافي، فرغم الاختلافات الواضحة بين البلدين في هذا الشأن ورغم أن الجزائر أو الشعب الجزائري من أصل بربري مسلم ومتوسطي، فهناك الكثير من التشابه بين البلدين، فعلى وجه المثال، الرقص الفنزويلي يشبه كثيرا الرقص القبائلي، والمأكولات الجزائرية وجدتها لذيذة جدا خاصة الرشتة والبوراك والمشوي والسمك والكسكسي، ضف إلى ذلك أنّ ابنتيّ لهما علاقة جيدة مع زميلات جزائريات، ولهما الكثير من الأصدقاء هذا ما مكّننا من التعرف على العديد من العائلات الجزائرية. سعادة السفير إن الشعور العام لدى ملايين العرب أن هوغو شافيز أشرف من أغلب الحكام العرب وهو الآن جدير بكل التقدير والاحترام في العالم العربي بفضل مواقفه، فما هو الدافع الأساسي للرئيس شافيز لاتخاذ هذه القرارات الهامة وهي قطع العلاقة مع إسرائيل؟ - أحيطك علما بأن هناك في فينزويلا مليون فنزويلي من أصل عربي أغلبيتهم من سوريا ولبنان، وكذلك توجد جاليات يهودية وبحكم أن رئيسنا ثوري، ولما شاهد تلك المجازر المرتكبة في حق أهل غزة لم يستطع السكوت عن ما يُقترف في حق الشعب الفلسطيني هذا من جهة، ومن جهة أخرى عندما شهد تأثر الشعب الفنزويلي بما تقوم به الآلة العسكرية الصهيونية، وكل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، رغم وجود معارضة كبيرة لم ترحب بهذا القرار خاصة أنّ وسائل إعلام فنزويلية تتحكم في هذه المعارضة إحداها قناة يملكها فنزويلي من أصل لبناني وهي معارِضة لنظام شافيز، وهناك كذلك لوبي يهودي متحكم في بعض البنوك كان معارضا لذلك. هل أثر ذلك على العلاقات الفنزويلية الأمريكية، على المستوى الشعبي؟ - لا أعتقد ذلك، لأن الشعب الفنزويلي يحترم الشعب الأمريكي لكن السياسة تختلف بين البلدين. ففنزويلا تدعو إلى تعاون جنوب جنوب وإلى عالم متعدد الأقطاب، لذلك فسياسة فنزويلا مختلفة عن السياسة الأمريكية. ولولا سياسة واشنطن لما تماطلت اسرائيل في تطبيق قوانين الشرعية الدولية. ثم هل سمعت يوما أن الشعب الفنزويلي اعتدى على شعب آخر أو استعمره..؟ لذلك نرفض الاستعمار بكل أشكاله. إننا نفكر أن تكون أمريكا اللاتينية كما كان يسميها "سيمون بلفور" الأمة الكبيرة، ونحن نرغب بكل جدية أن نصل إلى هذا الهدف النبيل ولسنا نعارض أي اتحاد آخر سواء مع أوروبا أو غيرها، وتجدر الإشارة أن علاقتنا التجارية مع الصين بلغت العام الماضي 14 مليار دولار ومع كوبا 4 مليارات دولار ومع كولومبيا 5 مليارات دولار. وكيف تقيمون العلاقة التجارية بين الجزائر وكراكاس؟ - في الحقيقة علاقتنا بالأصدقاء في الجزائر ممتازة جدا خاصة في عهد الرئيس شافيز، فهي علاقات تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وهناك تعاون تجاري وثقافي والكثير من وجهات النظر متطابقة على مدار لقاءات القيادتين، ولكن بكل صراحة فإن العلاقة التجارية بين البلدين تحتاج إلى تطويرها خاصة وأن هناك نية لسوناطراك والشركة الوطنية للبترول الفنزويلية للقيام ببعض عمليات التنقيب المشتركة، كما أن هناك عددا كبيرا من الطلبة الفنزويليين يدرسون في المعهد الجزائري للبترول تتكفل بتكوينهم الشركة الوطنية الفنزويلية للبترول ويتواجد الآن في هذا المعهد 202 طالب، وسيكون شهر ماي المقبل تاريخ تخرج الدفعة الأولى من هؤلاء الطلبة، كما أن هناك بنكا فنزويليا يتمنى ويسعى للخدمة مع الجزائريين وسيفتح فروعا له بالجزائر. كما ستفتتح الشركة الوطنية الفنزويلية للبترول فرعا لها في الجزائر. كما أنّ هناك مجالات تعاون كثيرة تنتظر المصادقة عليها من الطرفين، واللجنة المشتركة التي انعقدت العام 2007 تلحّ على توسيع مجال التعاون بين البلدين. وما هو تأثير الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الفنزويلي؟ - نحن نعلم أن الرئيس الراحل هواري بومدين في السبعينيات هو أوّل من تكلم عن التعاون جنوب جنوب لذلك نحن نطبق هذا المبدأ ونفكر في توسيع الشراكة إلى عدة أقطاب.. وأحيطكم علما بأن الشركة الفنزويلية للبترول تحتل المرتبة الرابعة في العالم، والاقتصاد الفنزويلي لا يعتمد أساسا على الخارج لذلك لم يتأثر بلدنا كثيرا بالأزمة. لقد قال الشعب الفنزويلي كلمته فيما يخص العهدة الثالثة للرئيس شافيز فكيف جرت هذه الإنتخابات؟ - من المعلوم أن دستور فنزويلا للعام 1999 هو الدستور الوحيد في العالم الذي يعطي الحق للشعب في تنحية أي منتخب بعد نصف العهدة، أما فيما يخصّ الإنتخابات الأخيرة فإنها جرت بكل شفافية وذلك بشهادات كل الملاحظين الدوليين الذين اعترفوا جميعا بنزاهة الانتخابات الفنزويلية. مع العلم أن التغيير الذي يحدث في فنزويلا لا بد أن يمر عبر الإنتخابات الشعبية. كيف تفسرون قرار المغرب إغلاق سفارته بكاراكاس عقب طردكم للسفير الإسرائيلي احتجاجا منكم على العدوان السافر على قطاع غزة؟ حكومة المملكة المغربية من حقها إغلاق سفاراتها في أي جزء من العالم ولكن المبررات والمسوغات التي استعملت لإغلاق مهمتها في كاراكاس خاطئة، إذ أن المملكة المغربية أغلقت سفارتها في كراكاس بعد يوم من طرد فنزويلا للسفير الإسرائيلي 15 جانفي 2009 إثر المجازر المرتكبة في قطاع غزة، وكرد على العدوان المتزايد على سكان القطاع، ويوم الجمعة 16 جانفي اتهمت الحكومة المغربية فنزويلا بالقيام بحملة شرسة ضد بلادها، وقد أوضحت الدبلوماسية الفنزويلية حينها أن الاتهامات المغربية لفنزويلا بتمويل والمشاركة في حملة شرسة ضد بلادها غير مقبول، وأود أن أشير في هذا الصدد إلى أن فنزويلا تعترف بالجمهورية الصحراوية منذ 1983 وترتبط معها بعلاقات عبر سفيرها بالجزائر منذ 1987 وهذا ليس مجهولا لدى المغرب، كما أن الكثير من دول العالم تعترف بالصحراء الغربية الأمر الذي عالجه بلدنا باحترام وفق مواثيق الأممالمتحدة مع تجنب كل ما قد يسيء إلى العلاقات مع المغرب، كما أن علاقات التعاون بين فنزويلا والمغرب انتعشت أكثر منذ توقيع اتفاق لتبادل الزيارات على أعلى مستوى في 2001، بين المجموعات البرلمانية للبلدين وفي إطار التبادل الثقافي، ومن الخطأ القول بأن هناك عدوانا شرسا من فنزويلا ضد المغرب، ولا يفوتني أن أشير إلى أن فنزويلا قدمت العديد من المساعدات الإنسانية لإدارة قطاع غزة وزيمبابوي ولدول آسيوية ودول الكاراييب، فنحن شعب يحب السلام ونكافح من أجل السلام، وأحيي في هذا الشأن الشعب المغربي الذي ترغب فنزويلا في إقامة علاقات أخوية مع بلده وفق مبادئ الحقوق العالمية العامة، دون أن أنسى أن أشكر المظاهرات المساندة للشعب الفنزويلي ولرئيسه هوغو شافيز. وأشير إلى أن فنزويلا عضو ملاحظ في الجامعة العربية منذ 2006 وستشارك فنزويلا في القمة الثانية لبلدان أمريكا الجنوبية والعالم العربي في قطر بعد أول قمة في البرازيل في 2005. كلمة أخيرة للشعب الجزائري، سعادة السفير؟ - أعبر عن سعادتي بعملي هنا في الجزائر كما أنوّه بالعلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين ورغبة فنزويلا في تطويرها في مختلف المجالات، وأعبر عن إعجابي بما شاهدته في الجزائر من معالم تاريخية وعمرانية ونهضة تنموية. وأخيرا أدعو الشعب الجزائري إلى التوجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع لاختيار من يقود البلاد مستقبلا.
أجرى الحوار: رابح بوكريش السفير الفنزويلي بالجزائر في سطور يعتبر سفير فنزويلا فوق العادة بالجزائر هكتور ميشال موجيكا ريكاردو (59 سنة) من الطبقة المثقفة في فنزويلا، حيث يعد أحد المتخصصين في علم الاجتماع، وأستاذ زائر في عدة جامعات عالمية وترجم كتابين من الفرنسية إلى الإسبانية، فضلا عن عضويته في عدة منظمات وهيئات عالمية وإقليمية مهتمة بعلم الاجتماع. تخرج في الجامعة الكاثوليكية في لوفان العام 1976 حاملا معه شهادة في علم الاجتماع، كما تحصل على شهادة الماستير في فلسفة التاريخ من الجامعة المركزية بفنزويلا وهو بصدد التحضير لمناقشة رسالة الدكتوراه في علوم الاجتماع، كما تحصل على شهادة الدراسات المتقدمة في النشر (دي أ آس بي) الخاصة بجامعة أوكسفورد البريطانية وتم إعداد التكوين في إسبانيا بإقليم كتالونيا. ومن غريب الصدف أن يكون تاريخ ميلاد سفير فنزويلا بالجزائر في نفس اليوم الذي استقلت فيه الجزائر (5 جويلية) وهو من مواليد العاصمة الفرنسية باريس لذلك يتقن موجيكا ريكاردو اللغة الفرنسية إلى جانب لغته الأم الإسبانية فضلا عن عدة لغات أجنبية مثل الإنجليزية والإيطالية والكتالانية. وترجم هكتور ريكاردو من الفرنسية إلى الإسبانية كتابين وطبعتهما دار نشر في إسبانيا في 2004، الأول بعنوان "معتقلي الكون" لدافيد روسو، والثاني بعنوان "الأطر السوسيولوجية للذاكرة" لصاحبه "موريس هالبواشز". وتولى ريكاردو منصب رئيس قسم النظرية الاجتماعية بمدرسة علم الاجتماع لفترتين - 1989 1993 ثم من 1995 1996 ورقي بعدها إلى منصب مدير مدرسة علم الاجتماع 1996 2001 . ولسفير فنزويلا بالجزائر نشاط جمعوي واسع في البحث حيث كان عضوا في الجمعية العالمية لعلم الاجتماع، وعضوا بمجلس الجمعية لاتينو أمريكية لعلم الاجتماع، كما دعي لإلقاء محاضرات في عدة جامعات بفرنسا وإسبانيا والشيلي، وعمل كأستاذ زائر في مركز الدراسات العليا للقوات المسلحة الفنزويلية (1986 1991)، ومستشار في المنظمة العالمية للغذاء، ومستشار في ديوان وزير العلوم والتكنولوجيا، ويشغل حاليا منصب سفير فوق العادة ومفوض للجمهورية البولفارية لفنزويلا لدى الجمهورية الجزائرية.