لا تستغربوا من هذا العنوان، ولا تسألوا عن سبب اختياره، أنا شخصيا "باعتباري صاحب الاختيار"، أقر أن العنوان هو من فرض نفسه علي، ولا أزعم أنني اجتهدت في اختياره.. هي جملة قصيرة فرضت نفسها علينا نحن الجزائريون جميعا، وبدون استثناء، ومعناها بالعربي الفصيح" بعد الانتخابات". كلمة، أو جملة، يسمعها الواحد منا مرات كثيرة في اليوم الواحد، خاصة إذا كان هذا الشخص كثير التردد على المصالح الإدارية ذات الصلة بالخدمة العمومية، فما من مصلحة يقصدها، إلا وسمع " الشعار" نفسه، فيخيل له أن مصالح الجزائر والجزائريين كلها مجمدة إلى مرحلة ما بعد الانتخاب. بكل المعاني، وبكل اللغات، وفي جميع الثقافات، البائدة والسائدة، يظل مصطلح الانتخاب يرمي إلى مفاهيم سامية، ويعبر عن سلوك راق للفرد والمجتمع، وهو بذلك ليس " وظيفة مقدسة" تكتسب شرعيتها وأسبقيتها على الحقوق والواجبات البشرية الأخرى، لكن الزائر والمتأمل لسلوك الإدارة الجزائرية في كثير من المواقع، يلاحظ عكس ذلك تماما. الكثير من المصالح تتعطل تلقائيا لشهور، قبل وبعد الانتخابات، والكثير من المشاريع تتوقف، وقد تلغى نهائيا بحجة الانتخابات، والكثير من الجزائريين صاروا يحفظون شعار " مور الفوط" عن ظهر قلب، ويمارسونه بإتقان في وظائفهم، تماما كما يتقن العاشق المتيم نسج كلماته الغزلية، مع أنه لا وجود لنص قانوني يجيز تعطيل الحياة خلال مرحلة الانتخابات، بل لا وجود لهذه العادة السيئة في العرف الذي دأب عليه أجدادنا وآباؤنا. منذ أن عرفنا العملية الانتخابية في الجزائر كسلوك اجتماعي، كان الفلاح يقتص من زمن شغله دقائق ليتوجه صوب صناديق الاقتراع، ليمارس حقه، ثم يعود إلى عمله في الحقل، وكذلك يفعل العامل في المصنع، والجندي في الثكنة، والمعلم في المدرسة، لأن الإنتخاب هو حق فردي لا يجوز أن يلغي حقوقا جماعية للآخرين عليك، ولا يجوز للفرد أن يتعسف في استعمال هذا الحق المحدود في الزمان والمكان. في الجزائر، ومع العدد التنازلي لموعد التاسع أفريل القادم، مع ما يكتسيه هذا الحدث من أهمية بالغة بالنسبة للجزائر والجزائريين، ارتكز حديث العامة والخاصة على ظاهرة العزوف الانتخابي الذي صار "بعبعا" يخيف الحاكم والمحكوم، ويخيل لي أن الموضوع لا يستحق كل هذا الاهتمام، في حين يجب أن نصب اهتمامنا حول ظاهرة الرغبة الملحة عند الجزائريين في تعطيل الحياة عند كل عملية انتخابات، وهو عمل يتطلب مشاركة الجميع للقضاء على هذا السلوك السلبي. شخصيا لو كنت ناصحا لأحد المترشحين لرئاسيات أفريل القادم، لطلبت منه أن يبني برنامج حملته الانتخابية على تشخيص ومعالجة هذه الظاهرة الغريبة التي تفشت في مجتمعنا، بدل الحديث بلغة الوعود والأماني، وأصارحكم أنني شخصيا أعجب بمرشح يعد بالعمل على بناء الفرد وترميم المجتمع، أكثر من آخر يعد ببناء معمل، لأن التجربة علمتنا أن بناء الفرد هي استثمار دائم ، أما بناء المعمل فهو شعار ينتهي " مور الفوط". سعيد مقدم