ساعة ونصف من الزمن كانت كافية لأن تداوي جراح الكثيرين ممن فارقت شفاههم البسمة. إن مباراة الجزائر مع زامبيا أكدت أن الجزائريين بحاجة لمن يدخل الفرحة لقلوبهم، وكم كان المشهد جميلا حيث تعجز كل العبارات عن وصفه، فرحة جمعت المثقف والعامل البسيط بالشاب والمرأة . بحث كل واحد عن طريقة للتعبير عن فرحته فتنوعت المشاهد وكأنها لحظة الانعتاق من القيود ولم تكن سوى قيود ماض ثقيل ورثه الشباب فنفر منه وفر بجلده ليختار الموت المجهول بين الضفتين . لقد عادت الجزائر من بعيد وهي تبحث عن ذاتها وتلم أشلاءها التي تبعثرت بين السيارات المفخخة واستوطن الخوف بيننا وبنى لنفسه قصرا حيكت حوله الأساطير في زمن التكنولوجية المدمرة. بعد نهاية المقابلة خرج الآلاف من المواطنين بكل عفوية في مواكب انتشرت في كل الاتجاهات تزف الفرحة، حيث هتف كل المواطنين؛ أطفالا، شبانا وشابات وحتى الشيوخ بلغة واحدة وكلهم يحملون العلم الوطني الذي لبسته السيارات ولفته النساء على أعناقهن وجعل منه الشباب برنوسا على أكتافهم . إن هذه الفرحة وإن كانت في ظاهرها هي فرحة فوز إلا أن عمقها كبير، فهي تعبير عن شوق لبهجة كادت تهجرنا للأبد، و اليوم تعود من بعيد وتنادي على الجميع ليخرجوا هنا في شوارع المدن وهناك من وراء البحر في ديار الغربة. السبب واحد والطريقة واحدة وألوان لا بديل عنها، إنها الجزائر التي نحبها لدرجة الهستيريا ونفر منها لدرجة الموت، يكفي القليل لنصير عبيدا لها وأقل من القليل لنكفر بحبها، هكذا نحن لا يمكننا أن ننمي شعور اللامبالاة وكأن الأمر لا يعنينا. كيف غفل علماء الاجتماع عن هذه التفاصيل البسيطة والمهمة في نفس الوقت؟. شعب تعبت الأحزاب في تجنيده وإقناعه واستطاعت حركات مشحونة بروح الوطنية أن تلهب مشاعره. إن كرة القدم في الجزائر هي الأخرى عادت لتهدينا أياما جميلة نحن في بدايتها ووجد الشباب منفذا لتفريغ طاقتهم، لدرجة أن شابا بطالا وقف يصرخ بكل قوة "نحبك يا جزائر رغم الميزرية". لحظة يتمناها أي شاب مهما كان انتماؤه . وقد رأينا كيف رثى الشباب المصري فريقه عند هزيمته. ونحن مثل كل الشعوب نتألم ونثور، لا نخفي الغضب ونفرح لدرجة الجنون فشكرا لكم على الهدية التي انتظرناها أعيادا فجاءت لتكون العيد الكبير. هكذا تغير كرة القدم ما لم تستطع تغييره كلمات الساسة والنواب، والأجدر بهم أن يخرجوا ليقرأوا في حركات الشباب ما يريده ويختصروا الطريق إليهم مثل ما فعل صايفي وزملاؤه.