في النهاية، العنصرية هي التي قتلت المغني الشهير مايكل جاكسون. كان طفلا وديعا، صاحب بشرة تمسخت من الأسود إلى الأبيض، ووجه ملائكي أسمر ذي أنف غليظ تحول بدوره إلى أنف روماني صغير، كما يريده الرجل الأبيض تماما. فهو لا يشبه باراك أوباما، الرئيس الأمريكي الأسود، الذي رضي ببشرته السوداء، وبجذوره الإفريقية، فتسلح بالعلم والذكاء لكي يكسب ود واحترام ملايين الأمريكيين، رغم لون بشرته. صحيح أن الفارق ظاهر وكبير بين الرجلين. فمايكل جاكسون ينتمي تاريخيا لعائلة من العبيد، في حين أن أوباما من عائلة لم تنتقل إلى أمريكا على ظهر بواخر العبيد، فقد هاجر والده إليها للدراسة، لكنهما يلتقيان عند مسألة العرق والأصل الإفريقيين. إن مايكل جاكسون، يعتبر ثمرة ثقل العنصرية التي تدفع الزنجي لكي يحتقر ذاته، ويزداد انحطاطا بالنظر إلى نفسه كإنسان لا يستحق التقدير إن هو بقي على سواد بشرته، وغلاظة أنفه. ما يكل جاسكون هو الإنسان الزنجي محتقرا ذاته، مندفعا نحو البشرة البيضاء. ورغم أنه ولد في نهاية الخمسينيات، وعايش المد التحرري للزنوج مع ثورة مارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس، والحركات الزنجية التحررية التي استندت إلى ما يسمى "بأمة الإسلام"، إلا أنه عاش سجينا لمنطق العشرينيات من القرن العشرين، عندما بدأت نهضة زنجية في مجال الفن والثقافة، تدعو إلى التحرر من الغيتو الأسود بتقليد الرجل الأبيض في الملبس والثقافة وغيرها من مظاهر الحياة. فبرزت ظاهرة الأسود الأبيض، التي سرعان ما وجدت نفسها منتهية بسبب رفض الرجل الأبيض السماح للزنجي بأن يلج عالمه الاجتماعي والفني والثقافي، وظل ينظر إليه نظرة عنصرية وعدائية، حتى وإن ارتدى بذلة أنيقة، واسترسل شعره إلى الوراء. ومأساة مايكل جاكسون، هي مأساة الرجل الأسود الذي سحقته عنصرية البيض في أمريكا. عندما نهض على وقع الرغبة في أن يشبه مجتمع المتفوقين، وراح يعتقد أن سر النجاح مرتبط بتغيير لون بشرته، فصرف ملايين الدولارات في عمليات جراحية لتجميل الوجه، والتخلي عن اللعنة التي طاردت العبيد منذ استقدامهم من أدغال إفريقيا إلى حقول القطن في الولاياتالمتحدة الأمريكية، فحرموا من الحقوق المدنية حتى العام 1956. وقد درجت سياسة التمييز العنصري البيضاء على السير خلف المقولة العرقية المتزمتة الداعية إلى "إبقاء الزنجي في مكانه" المتبعة في الولاياتالمتحدة بهدف إبقاء السود في الطبقة الدنيا المهمشة في الحياة الاجتماعية العامة، والإبقاء عليهم فقراء جهلة غير مؤهلين للقيام بمهام اجتماعية ترفع من مركزهم وترفع مستوى معيشتهم. فتشكل ما يسمى بالجيتو الأسود، الاختياري أو الإجباري، برز في بعض الولاياتالمتحدة بصورة ظاهرة وملفتة للنظر. هذه المعازل الجغرافية والسكانية للسود هي غير فاصلة بصورة قطعية إلا أنها ترسم خريطة تواجد الزنوج في أنحاء الولاياتالمتحدة . وظل الأمر كذلك، إلى غاية مجيء مارتن لوثر كينج و"سياسة اللاعنف"، فاستطاع هؤلاء الزنوج أن يحصلوا على بعض الحقوق المدنية، لكن بروزهم كان واضحا في مجالات أخرى مثل الفن والرياضة. لم يقتنع مايكل بالنجاح الفني الأسطوري، الذي لم يصل إليه حتى الأبيض، ففتح أمامه طريقا آخر، هو طريق تبييض البشرة، ليتخلص من ثقل العنصرية، فقتلته هذه العنصرية.