كل ما يؤلمني هو الحال التي وصل إليها مجتمعنا، فقد ظهرت فينا صفات لم تكن في أسلافنا، نسينا مبادئنا، كان الرجل ممن سبقونا يفضل الموت على تركها أو العمل بما يخالفها.. وإذا استمرت الأمور على هذا المنوال فإن الشباب الذي لا مرجع له اليوم سيكون رب أسرة غدا فماذا سيقدم لأولاده أتربية هو فاقدها؟ أم أخلاقا لا يعرف لها معنى، الكذب، السرقة، كراهية الجار وخيانته، عقوق الوالدين، إهانة الفقير، عدم احترام الكبير ولا رحمة للصغير، النهب، جمع المال بأي طريقة حتى المحرمة منها.. والقائمة طويلة. وسأكتفي بآفة واحدة لضيق الركن والورقة.. من كان يظن أنه يأتي يوم على جزائري أن يلقي بأبيه أو بأمه في دار العجزة وأحيانا في الطريق؟! والذي يزيد من ألمي وتعجبي هو أننا محسوبون على الإسلام ونحن أبعد خلق الله عن مبادئه.. بل هذا الدين الحنيف بريء منا براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. وقد يخرج الرجل من المسجد حيث استمع إلى الإمام في صلاته الجهرية يتلو قوله تعالى: وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا". ولن أسرد هنا كل الآيات التي تحض على طاعة الوالدين وتكريمهما.. وطالما أن أغلب الناس لا يفهمون جل ما يتلى عليهم.. فإنني أنزل إلى المثل والقصة الشعبية.. فقد أخبرني أحد الأصدقاء عن رجل كان والده الطاعن في السن يشاطره السكن بعد أن فقد رفيقة العمر، وبدأت زوجة الإبن في التذمر من وجوده فطلبت من الإبن أن يطرد والده، فأبى ولكنها ألحت وفهم الوالد أن عمره قد مضى ورأفة بفلذة كبده طلب من ابنه أن يعطيه لحافا يضعه على رأسه حتى لا يعرفه الناس إذا هام على وجهه، فجاءه الإبن بلحاف فقطعه الوالد إلى قطعتين أعطى واحدة إلى ابنه وخرج من دون رجعة. ومرت الأيام مسرعة الخطى وكبر الحفيد فزوجه أبوه، وحصل أن بلغ الأخير من الكبر عتيا، وحدث أن بقى عند ابنه وحيدا يجتر المحن، وكرهت زوجة الحفيد وجوده في البيت فطلبت من زوجها أن يخرجه فذهب إليه سائلا إياه الرحيل، حاول إقناعه بأن يسمح له بقضاء أيامه الأخيرة من عمره لأنه لا مكان له غير هذا البيت الذي ترعرع فيه، ولكن الزوجة رفضت وطلبت منه الخروج في الآن، فقام مرتجفا وطلب لحافا يتقي به النظرات المتطفلة، لكن الزوجة أبت أن تعطيه ولو منديلا، فتذكر نصف اللحاف الذي تركه له والده يوم طلب منه مغادرة البيت فقال: "يا ويلتي طردت أبي بلحاف وها أنا أطرد بغير لحاف". أعمل ما شئت كما تدين تدان وبالمكيال الذي تكيل به يكال لك ولا أنهي هذه الورقة قبل أن أسرد قصة أخرى تخص الأم هذه المرة رواها لي أحد الأقرباء قال: كان في جوارنا شاب أعده من أصدقائي، قاسمته اللقمة واللعب، وله أم أقعدها المرض دخلت معه يوما فوجدتها تئن من شدة الألم وبدل أن يخفف عنها ركلها طالبا منها أن تكف عن الشكوى والتذمر، فقلت له: ويحك أتضرب أمك؟! فردت الأم: "دعه فإن الرجل التي ضربتني ستقطع" قال: "وكبرنا وماتت الأم، وأصيب الرجل بمرض الغونغرينة في رجله فلم يجدوا له دواء سوى البتر، فقلت له: أتذكر ما قالت لك أمك يوم ركلتها؟! عن علي رضي الله عنه: لو علم الله شيئا في العقوق أدنى من أف لحرمه.