الدكتور الطاهر توات.. أستاذ بجامعة الجزائر،أجرى أبحاثا مختصة في الأدب المغربي والأندلسي، فهوحجر زاوية في الأدب المغربي الأندلسي، ومرجع من مراجع بحوثه وموضوعاته. نشرت له العديد من البحوث في الحملات العلمية والثقافية كما أن له اهتماما متواصلا بعلوم اللغة العربية، نحوها وصرفها وهو ملم بمناهج البحث الأدبي واللغوي المعاصر،وقد صدرت له دراسة قيم عند الشاعر الجزائري الكبير ابن خميس التلمساني. لحد الآن ما يزال متن الشعر الجزائري القديم غائبا، إذ هناك شعراء من أمثال إبن خميس وبكر بن حماد وأفلح بن عبد الوهاب وغيرهم كثير لا يتواجدون في حاضرنا؟ يا أستاذ يحياوي أصبتم في كلامكم أو رؤاكم، لأنكم ما تقولون هوصحيح في اعتقادي ، حيث هناك شعراء وأدباء وكتاب جزائريون حقيقة هم في القمة العليا لأن شهرتهم بلغت الآفاق المغربية الأندلسية والمشرقية فمثلا ابن خميس التلمساني كان يسمى بشيخ الأدباء حتى من طرف خصومه أي مثل شيخ المؤرخين عبد الرحمان بن خلدون، في التاريخ، ولم يكن إبن خميس شاعرا كبيرا فقط وإنما كان أيضا فيلسوفا ومنصوفا، والذي يريد أن يعرف مكانته على الأقل الإطلاع على البحوث التي كتبناها حوله وهي منشورة في كتاب على مستوى ديوان المطبوعات الجامعية منذ 1991م، وآخر منشور في إطار الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، كما تعلمون وفضل النشر يعود إليكم. أما بكر بن حماد التيهرتي الذي طارت شهرته في الآفاق المغربية والأندلسية والمشرقية ووصل حتى أن يهجو بعض الشعراء الكبار في المشرق ثم يمدح ويهجو الخليفة العباسي المعتصم بالله لما كان مقيما ببغداد، أما إقامته بالقيران فجلبت له الطلاب حتى من الأندلس لشهرته في الحديث مثلا. وباختصار فهو شاعرمطبوع وآثاره وإن كانت قليلة فهي تدل على شاعريته الفذة. وكذلك أفلح بن عبد الوهاب الإمام الثالث للدولة الرسمية ا لذي تدل آثاره الشعرية والنثرية على منزله أو مكانته الأدبية والعلمية. هذه أمثلة جد مختصرة عن القرن الثالث والسابع الهجريين، أما في القرن الرابع حيث نكون مع ا لفاطميين والخامس مع المرابطين والسادس مع الموحدين والثامن مع ملوك الطوائف المغربية مرينيون وزيانيون وحفصيون فحدث ولا حرج عن الشخصيات الفذة التي ظهرت كابن الفكون القسنطيني وأبي القاسم العالمي وغيرهم كثير وكثير. في رأيي العودة إلى إحياء التراث يكون من قراءة أبنائنا الجادة للتاريخ ودراسته دراسة واعية، بالآن إحياء التراث مرتبط إلى حد بعيد بمادة التاريخ العام وبالعلوم الإجتماعية الأخرى. وهناك من المفكرين كمحمد أركون والجابري، ومحد عمارة وغيرهم فمن تحدث عن إحياء التراث العربي الإسلامي واستغلاله على ضوء المعاصرة، ومعنى هذا أنهم وضحوا الطرق التي يجب اتباعها للحفاظ على تراثنا في خضم هذه الحداثة ومسايرتها، عليه، يجب أن نسير جنبا إلى جنب مع البحث عن الكتب التراثية ودراستها وتحقيقها ثم نشرها، كما ينبغي أن تكون في متناول القراء وذلك بدعمه أي الكتاب دعما كافيا. أطفالنا في المدارس لا يعرفون من أعلام الأدب والفكر والإبداع الجزائري سوى فترة ما بعد الأمير عبد القادر، وكأنما الجزائر لم تولد إلا في هذا العهد؟ أما سؤالكم الثاني فهو نتيجة لتفرطينا في تراثنا إما عن عمد أو غير عمد. أما عن عمد ويا للأسف فيرجع إلى الأغلبية من الأساتذة الشباب الذين عزفوا عن البحث في التراث بل توجهوا إلى دراسة الرواية والقصة وبالتالي دراسة هذه الأنواع الأدبية تستدعي البحث عن نقادها في أوروبا وأمريكا، وكل هذا التوجه الهادف من هؤلاء هو سهولة هذه الأنواع الأدبية إذا قسناها بدراسة التراث والشعر، وأنا لست ضد هذه الأنواع بل بالعكس، لأننا الآن في دولة الرواية ولسنا في دولة الشعر، لكن لا ينبغي أن نعزف كليا عن التراث أو تحريض الآخرين عن العزوف عنه وهذا ماهو حاصل الآن عندنا في الجامعات أو في غيرها في دور العلم والثقافة، ودليلنا على ذلك هو هذه الملتقيات الكثيرة والمركزة على ما هو معاصر لا غير حتى الأستاذ الطاهر حجارمدير جامعة الجزائر (يوسف بن خدة) وجد لوما عن هؤلاء المتسببين في العزوف عن تراثنا، وهذا بمناسبة كلمته الإفتتاحية في انعقاد ملتقى التداولية بجامعة الجزائر لسنة 2008م. وليس معنى هذا أننا ضد الحداثة بل نحن معها لكن دون التفريط في تراثنا، لأن من لا أصالة له لا حداثة له، ولأن البناء الجيد الصالح للحداثة يقوم على الأصالة، فمثلا الذي لا يعرف التضمين أو الاقتباس في التراث فكيف يعرف أو يهضم مصطلح التناصر في النقد المعاصر وبالتالي تكون له أصالة نقدية والذي لا يعرف الهندسة المعمارية المغربية الأندلسية وشيئا من هندسة المعمار الصينية وغيرها بالإضافة إلى الهندسة الحديثة فكيف يتأتى له أن يصبح مهندسا معماريا أصيلا معنى ذلك أن يكون مبدعا في هذا المجال أو على أسس أو ضوء التراث. والأكبر من ذلك أن أغلبية المناهج المعاصرة لم تكتمل بعد وبغرض أنها اكتملت فإنّه ومهما أتينا من قوة فإننا لا نستطيع الإحاطة بها لأنها ظهرت في العالم الغربي المتقدم الذي تعتبر نظم ياته بعيدة عن نظم حياتنا، هذا عن هؤلاء المتعمدين المترصدين الذين يميلون إلى كل ماهو أيسر أو أن الاستيلاب انحرف بهم عن سبيل مجتمعهم أو أمهتهم. أما عن غير عمد أو جهل فحدث ولا حرج لأن مجتمعنا تغلب عليه الأية. من وجهة نظري أن الثراء النقدي للأدب الجزائري إنما هو تلك البحوث القيمة أحيانا التي تنجز في إطار الرسائل الجامعية، ولكن مجمل هذه الرسائل تظل حبيسة الأدراج. وما دام أننا قلنا بأن هناك عزوفا عن التراث فإنه وبالتالي لانكاد نجد رسائل في الأدب الجزائري القديم ولا سيما في الفرع الأدبي والقلة هذه لها ما يبررها لأنّه لم تفتح شعبا في التراث في الماجستير بالإضافة إلى المقروئية فهي ضعيفة جدا في التراث وبالتالي عزوف الناشرين عن نشر كل ماهو تراثي إلا من رحم ربك، لأن كل ناشر يبحث عن مصلحته أو فائدته ولا يريد الإفلاس وهذا من حقه. رغم كل الجهود للنهوض بحركة النشر في الجزائر إلا أن انعدام المقروئية من جهة وغياب استراتيجية جزائرية لتوزيع الكتاب ظلّ حائلا دون الانطلاق؟ أقترح ومن حقي الإبتدائي إلى الجامعي تشجيع الجيل على حب المطالعة أو القراءة الواعية المنتجة التي تتم باختيار نصوص جيدة ومختلفة ومتنوعة في معانيها وأفكارها وصياغتها صياغة جميلة تتناسب ومستوى الشخص إضافة إلى حصص متنوعة وجيدة في وسائل الإعلام الثقيلة كالتلفزة وغيرها، وكذلك إحداث لقاءات ثقافية وعلمية مستمرة وعلى كل المستويات حتى نؤسس أو نبني أجيالا تميل ميلا إلى المقروئية كما في أمريكا وبريطانيا.... وفي الأخير يجب أن نكوّن أونشكل هذه الأجيال كما شكلنا هذا الجيل المحب للرياضة حبا جما. وإذا قمنا بهذا العمل أو هذه الإجراءات حب لغة القانونين فسيزداد رصيدنا للمقروئية ويكثر، ومن ثم يكثر الطبع والنشر وبالتالي الرقي والتقدم ومواكبة الأمم التواقة إلى البناء الحضري الدائم وبغير حب واحترام ثقافتنا أو تراثنا المتنوع، واطلاعنا الدائم المستمر على ما يحدث في الأمم الأخرى من تقدم ورقي في جميع المجالات فإننا لا نستطيع أن نشكل هذا الجيل المحب للمقروئية كما يحب الآن على الأقل الرياضة، أي نبني جمهورا واسعا وعريضا من القرّاء الدائمين.