كتب الروائي المصري يوسف زيدان، أول أمس، مقالا في صحيفة '' المصري اليوم '' اعتذر فيه للروائي واسيني الأعرج، عما بدر منه من كلام متعصب ضد الجزائريين في مقال سابق له نُشر بعنوان '' ذكريات جزائرية ''. وأرجع زيدان ما ورد في مقاله الأول من تعصب إلى حالة من الغضب راودته بعد انتهاء مباراة أم درمان بين المنتخبين المصري والسوداني . لقد فهمت من كلام زيدان، الذي جرفه تيار الغوغائية والابتعاد عن العق، كما اعترف بذلك شخصيا، أن تحامله على الجزائريين كان عبارة عن حالة من الغضب، وعلى واسيني أن يتفهمها، دون أن يقدم أية اعتذارات للجزائريين . وكأن واسيني هو المعني بالسب والشتيمة والعنصرية التي فاحت من مقاله '' ذكريات جزائرية '' ، وليس الجزائريين، بعد أن أثار انتباهه أن الغضب يولِّد الغضب، والعنف يولِّد العنف، والتعصب يستدعى التعصب، والعنصرية تؤدي إلى الانحطاط، وتجعل الأدباء يموتون فين أعين الناس . لكن من يقرأ مقال زيدان الجديد، يدرك أنه يدافع عن نفسه، وعن جائزة البوكر التي تحصل عليها هذا العام عن روايته '' عزازيل '' , وأجزم أنه لولا الكلام الذي راج في الآونة الأخيرة بخصوص سحب جائزة '' البوكر '' منه، لا ما تحرك وأعطى لنفسه عناء التراجع عن كلامه العنصري . فقد تعالت أصوات المثقفين العرب، تدعو لسحب أكبر الجوائز الأدبية في العالم العربي، من روائي ظهر في صورة عنصرية لا تليق بمقام الأدب . فكتبت المصرية منى برنس :'' قرأت باستياء بالغ مقال د . يوسف زيدان المنشور في المصري اليوم، ولم أفهم كيف يقع صاحب رواية '' عزازيل '' التي تدين العنف والتعصب والجهل والغوغائية في فخ التعصب والكراهية و الشوفينية وهو الباحث والأكاديمي الذي من المفترض أن يقدم رؤية موضوعية ومحايدة ''. وكتب خالد الحروب، في صحيفة '' الحياة '' اللندنية : '' يوسف زيدان الصحافي يفجعنا ويصدمنا عندما يكتب بشعبوية وغوغائية وعنصرية ضد الجزائر كبلد وضد الجزائريين كشعب (...) ، ونتعجب إذ نقرأ له لغة نزقة متوترة وركيكة ''. فكيف يحتفظ روائي عنصري شوفيني، يكره شعب آخر، ويمجد الكراهية، ويسير على خطى الكتاب العنصريين، بجائزة تدعي العمل على الترويج لقيم إنسانية في عالم عربي تراجعت فيه ثقافة التسامح بشكل ملفت للانتباه . والغريب أن يوسف زيدان نفسه كرس ثقافة الكراهية التي تحاول جائزة '' البوكر '' القضاء عليها، وظهر في صورة كاتب لا يملك فعلا معايير الحصول على الجائزة . هذا ما أدركه يوسف زيدان جيدا، بعد أن برزت حملة مضادة لما ورد في مقاله من أفكار، فراح يسعى للحفاظ على الجائزة، وها هو يقدم نصف اعتذار لروائي جزائري وليس لكل الشعب الجزائري، فجاءت استفاقته متأخرة وناقصة وغير مقبولة . ومرة أخرى وقع الروائي المصري ضحية تلاعب سياسي . فمطلب الاعتذار مطلب سياسي مصري، احتوته النخب الإعلامية والمثقفة التي تسير على فلك نظام يبحث عن التوريث، لذلك فضل زيدان توجيه رسالته لواسيني وليس للشعب الجزائري . فحسب علمي لم يسيء زيدان لصاحب " كتاب الأمير '' ، بل للجزائر، فقد اعتبره بلد يعتصره البؤس ... وقال '' إن التراث لا يعرف بلداً اسمه ( الجزائر)ولم يستخدم أحدٌ هذه التسمية غير المطابقة لواقع الحال، أعنى لهذه الصحراء التي تمتد في كل الجهات، وتمتد في نفوس الناس.ولذلك لم تصح أخلاق سكان الجزر، لسكان الجزائر، لأن سكان الجزر عادة ظرفاء ''. إن مصير المثقف السائر على طريق الغوغائية هو الوقوع في العبث . عبث يغذيه ولاء سياسي أعمى . والعمى الذي كتب عنه خوسيه ساراماغو يعني عدم القدرة على إدراك الأمور الصائبة . وإذا كان العالم العربي قد دخل مرحلة العمى السياسي منذ سنوات طويلة، فها نحن نشهد عمى جديد هو العمى الثقافي.