ما يحدث في الشارع الفلسطيني هذه الأيام يحتم على الجميع من السلطة الفلسطينية بأجنحتها السياسية وبقيادة الرئيس محمود عباس من جهة، ومن جهة ثانية من حركة حماس وقيادتها في قطاع غزة بقيادة إسماعيل هنية الدخول جميعا في مشروع المصالحة الوطنية وبجدية ، لأن المرحلة حرجة والسلطة الإسرائيلية عازمة كل العزم على تهويد القدس بعدما أضعفت التيارين الوطني والإسلامي المقاوم للإحتلال، ورغم أن الاتجاه العام للمصالحة الوطنية كان يتجه في الطريق السليم إلا أن المفاوضات التي أجرتها ولا زالت تجريها السلطة الفلسطينية مع قيادة الكيان الصهيوني في ظل استمرار سياسة الاستيطان تؤكد مرة أخرى صعوبة المأمورية . لقد اعتبرت حركة حماس موافقة منظمة التحرير الفلسطينية استئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل على أنه منزلق خطير وستكون عواقبها خطيرة على القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني،وحتى الحركات الإسلامية الأخرى مثل الجهاد الإسلامي عبرت عن رفضها لموقف المنظم، مؤكدة أنه استكمالا للتنازلات ولا يمثل الشعب الفلسطيني ، هذا الموقف يؤكد أن المصالحة الفلسطينية _ الفلسطينية ستكون بعيدة المنال على الأقل في المرحلة الراهنة لأن حماس ربطت بين رفض المفاوضات مع إسرائيل وتحفظاتها على الورقة المصرية للمصالحة وتحديدا ملاحظاتها على البند المتعلق بإصلاح منظمة التحرير ، كما أن الحديث عن المفاوضات غير المباشرة أثار انقساما حادا داخل الساحة الفلسطينية ،وأدى الى تصاعد حدة الاتهامات بين العديد من الفصائل الفلسطينية ، فحركتا حماس والجهاد الإسلامي اتهمتا حركة فتح بالتخاذل في الدفاع عن القضية الفلسطينية ،وفي المقابل دافعت حركة فتح عن موقفها واتهمت الفصائل الأخرى بأنها تحاول استغلال القضية لمصالح خاصة بها ، مما عمق الشرخ بين الفصائل الكبرى الهامة في معادلة المقاومة الفلسطينية الممثلة للشعب الفلسطيني ، فالانقسام بات أكثر عمقا مما سبق وملامح المصالحة الوطنية أصبحت بعيدة المنال ، كما أن سيطرة حماس على قطاع غزة ازداد قوة خصوصا بعد فشل العدوان الصهيوني والحصار المصري على مليون فلسطيني في قطاع غزة، وازدياد نفوذ السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. مؤشرات تفاقم الوضع وتناقص فرص المصالحة الوطنية ظهرت غداة رفض السلطة الفلسطينية لتقرير'' غولدستون ''الذي صدر في أواخر العام الماضي، حيث اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب الأمر الذي لم تستسغه جميع الأطراف في قطاع غزة مما عمق من الشرخ بين الأطراف المتصارعة وزادت الهوة بعد الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وتهديد الحفريات بتدمير ثالث الحرمين وأولى القبلتين وإعلان اسرائيل عن مشروع بناء المستوطنات في الوقت الذي باشرت فيه المفاوضات غير المباشرة مع المبعوث الأمريكي جورج ميتشل مع كل من صائب عريقات من الجانب الفلسطيني واسحاق مولخو من الجانب الإسرائيلي وهي المفاوضات التي زكتها الجامعة العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية ورفضتها كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي ،وحجة المنظمة أن محود عباس متمسك بالدفاع عن القضية من خلال التأكيد على مسألة انشاء الدولة الفلسطينية وتسوية القضايا الجوهرية الخاصة بالحدود واللاجئين وتقسيم القدس، في حين يريد نتانياهو حدودا تماثل خطوط ما قبل حرب 1967 مع تعويض الفلسطينيين بأراض بدلا من تلك التي أقيمت عليها بعض المستوطنات ،ويرفض إقامة الدولة الفلسطينية في المرحلة الراهنة ما دامت حركة حماس قوية خصوصا في قطاع غزة. هذه المفاوضات لم تحمل جميع خباياها وحركة حماس تراها مناورة للحد من انتشارها وتفوقها وتستغل إدارة نتانياهو ضعف قيادة عباس لإملاء شروطها وتحقيق الحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين التاريخية الممثلة في دولة فلسطينية على حدود1967 منها القدس عاصمة وعودة اللاجئين وإخلاء المستوطنات، مقابل اعتراف رسمي من الفلسطينيين والدول العربية مجتمعة على الدولة اليهودية الإسرائيلية وإقامة علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية. يقول العديد من الملاحظين أن المفاوضات كغيرها من المفاوضات التي جاءت طيلة ستين سنة من الصراع مآلها الفشل وأن الجمود الذي دام 20 سنة لن يكسره سوى حرب شديدة مثل حرب 1973 أو أكثر ،وربما تعمل الإدارة الأمريكية من أجل إظهار نفسها في صورة المحايد الذي يبحث بصدق عن حل للمعضلة الفلسطينية في وقت تشدد فيه مع إيران وتهددها بالحرب والحصار .