عكست استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عمق الأزمة التي تواجهها الحكومات المتعاقبة بتل أبيب في التعامل مع قطاع غزة، في ظل غياب الحلول السياسية والإخفاقات العسكرية في مواجهة المقاومة الفلسطينية، لتجد الأحزاب السياسية الإسرائيلية نفسها في مواجهة انتخابات مبكرة للكنيست. وفور تقديم ليبرمان الخميس الفارط كتاب استقالته الرسمي، الذي سيدخل حيز التنفيذ اليوم، بدأ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مشاورات مع قادة أحزاب الائتلاف، في مسعى لإقناعهم بالحفاظ على الحكومة واستقرارها، ويبدو أن رئيس الحكومة الذي كان في كثير من الأحيان يشهر سلاح تبكير موعد الانتخابات في وجه قادة الائتلاف بدا متمسكا بمنصبه "بأسنانه وأظافره". ورغم تحميل ليبرمان المسؤولية السياسية عن الإخفاق في غزة، ووقف إطلاق النار، فإن استطلاع رأي للقناة الثانية الإسرائيلية أظهر إمكانية أن يحصل حزبه "إسرائيل بيتنا" على سبعة مقاعد في الانتخابات المقبلة، علما أنه ممثل بالكنيست الحالي بخمسة، في حين يلاحظ تراجع حزب الليكود إلى 29 مقعدا، مع دخول لاعب جديد للمشهد السياسي، وهو رئيس هيئة الأركان الأسبق بيني غانتس الذي سيحصل على 15 مقعدا، وفقا للتوقعات. شروط ومشاورات ومع تراجع حزب الليكود في الاستطلاعات، وتعزيز قوة أحزاب مشاركة بالائتلاف، فقد اصطدم نتنياهو بمشاوراته مع قادة الأحزاب "كولانو" و«شاس" بالموقف الذي يتناغم مع ليبرمان، بضرورة تبكير موعد الانتخابات. كما اشترط حزب "البيت اليهودي" لبقائه بالحكومة توكيل حقيبة الدفاع إلى رئيس الحزب نفتالي بينيت، الذي هدد بالاستقالة في حال لم تتم الاستجابة لشرطه، حيث أجري نتنياهو، أمس مشاورات مع بينيت بهذا الخصوص، على أن يواصل نتنياهو مشاوراته مع قادة الأحزاب اليوم. ووفقا لجميع التقييمات والتقديرات في النظام السياسي، فإن نتنياهو سيجد صعوبة في الحفاظ على الائتلاف الحكومي الحالي، الذي قد يصمد عدة أسابيع ليس أكثر، مما يعني أنه بعد ثلاثة أشهر ستجرى الانتخابات، ومن المرجح في مارس 2019، أو حتى موعد أقصاه مايو المقبل كما تطالب بعض الأحزاب.وأفادت القناة الثانية، مساء الخميس الفارط، بأنه تم حسم الموقف داخل الائتلاف الحكومي بإجراء انتخابات مبكرة، بيد أن السجال هو على الموعد؛ فوزير المالية رئيس حزب "كولانو" موشيه كحلون، الداعم لتبكير الانتخابات، أبدى معارضته لتسليم حقيبة الدفاع لبينيت، وطلب إجراء الانتخابات في مارس المقبل، وهو الموقف الذي تبناه وزير الداخلية رئيس حزب "شاس" أريه درعي، لكن نتنياهو يفضل إجراء الانتخابات في ماي 2019. هزيمة واستسلام وكتب المحلل السياسي يوسي فرطور مقالا في صحيفة هآرتس، تحت عنوان "معضلة نتنياهو"، استعرض من خلاله التخبط الذي يعيشه نتنياهو في هذه المرحلة، في ظل ما يعصف بحكومته. وبحسب المحلل السياسي، فإن نتنياهو يعيش بين نارين: "الاستسلام لغريمه بينيت بإسناد حقيبة الدفاع إليه، والذهاب لانتخابات مبكرة رغم أنفه". لافتا إلى أن الرد المحدود على الهجمات من غزة خلق إحباطا شديدا بين مؤيدي نتنياهو، الأمر الذي ألحق الضرر بلقبه "سيد الأمن". ويعتقد أن نتنياهو لن يهرع إلى انتخابات مبكرة في ظل الانتقادات والحراك الجماهيري المناهض لما أسموها الهزيمة أمام حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وسيعمل جاهدا للإبقاء على الشراكة مع الحلفاء في معسكر اليمين.ويسعى نتنياهو في هذه المرحلة -بحسب المحلل السياسي- للنأي بنفسه عما حدث على جبهة غزة، ودمغ ليبرمان بما حصل، حيث تتسع دائرة الغضب في دائرته الانتخابية وفي أوساط مؤيديه من حزب الليكود وقاعدته الجماهيرية في عسقلان وسديروت، ويعيش محنة لن يتجاوزها بسرعة، فهو لا يريد أن يبدو كأن الانتخابات فرضت عليه، وأنه فقد السيطرة على جدول الأعمال. مواجهة وانتخابات تحت عنوان "انتخابات الآن"، كتب المحلل السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت مقالا تطرق فيه إلى قدرة نتنياهو على تجنيد حتى الأموات من قادة إسرائيل للخروج من أزماته، عبر الاستعانة بتصريحاتهم ومواقفهم في المواقف الحاسمة والمحطات الفاصلة. ويجزم أن نتنياهو اتخذ القرار بوقف التصعيد وعدم الشروع في مواجهة عسكرية شاملة مع غزة، كونه على قناعه بأنه لن يحسم الحرب وسيعود الجيش مع خسائر في الأرواح في صفوف الجنود، مما يعني المزيد من التراجع في شعبية نتنياهو ومقاعد حزبه. وأوضح المحلل السياسي أن نتنياهو -الذي لم يستخلص العبر من المواجهات السابقة مع غزة- يعود إلى نهجه بالتحصن واعتماد سياسة عدم اتخاذ القرارات لحين المواجهة المقبلة.وبين أنه في التصعيد المحدود الأخير، وعدم الحسم بالنسبة لغزة، كانت الاستقالة بمثابة طوق نجاة بالنسبة لليبرمان، الذي صوّب مباشرة نحو ضرورة إجراء انتخابات مبكرة، ونجح في جعل ذلك مطلبا للأحزاب، سواء بالائتلاف أو المعارضة.